الغريب ان الذين اجمعوا على تأييد الجيش اللبناني في ازمة عرسال،.. اجمعوا على الطلب منه بطرد الارهابيين من المدينة، مع انهم يعرفون ان هؤلاء يمسكون بخمسين الف مواطن لبناني هم سكان عرسال، وبمائة الف سوري لاجئ يعيش حولها!!.
هؤلاء الذين طالبوا الجيش بمعركة، هم انفسهم يعارضون نظام الاسد الذي يقتل بالمناطق التي يعيش ويرابط المسلحون فيها. وكأنهم يطالبون جيشهم بقتل مواطنيهم وتشريدهم!!.
ولعل من الاغرب ان حزب الله الذي ابتعد عن عرسال حتى لا يقال ان الشيعة يقتلون السنة كان يؤيد الجيش لانه «يدافع عن لبنان في وجه غرباء».. ناسيا انه ايضا دخل سوريا ليقاتل شعبها، ولو تحت غطاء الدفاع عن اماكن مقدسة، شيعية.. نعرف جميعا ان السنة في سوريا هم الذين بنوها، وصانوها، وكرّسوها مقاما دينيا!!.
لقد لعب رجال الدين السنة وهم «علماء لبنان» دورا عظيما في اقتحامهم لجنون السلاح، وتأثيرهم الايجابي على المسلحين، وعقد هدنة بينهم وبين الجيش واطلق بعض العسكريين المحتجرين.. ثم نجحوا - وهذا الاهم - في اقناعهم بالانسحاب من عرسال دون مذبحة!!.
وهذا الدور الذي لا يقدر بثمن لا يعجب الكلامجيون في التلفزيونات، لان رجال الدين وليس السياسيين هم من انجز هذه المهمة الوطنية، وهذا يعطي رجال الدين «دورا خطرا» يضيف الى الطائفية البغيضة المزيد من التأثير على «المجتمع المدني».
اي سخف هذا، وفي اي عصر نعيش؟! ولو اقتطعنا من تاريخنا العربي مرحلة آخر خليفتين راشدين، والحرب المجنونة التي اسماها طه حسين بالفتنة الكبرى لوجدنا ان المعركة ما تزال بين شيعة علي وشيعة معاوية، وان الخوارج يقاتلون الجميع وان الدور الفارسي في تأجيج الصراع العربي - العربي، اسمه الايراني!!.
لنأخذ لحظة تفكير هادئ ونعود الى تصور تلك المرحلة من اغتيال عمر بن الخطاب، الى اغتيال عثمان، الى اغتيال الامام علي.. الى مصارع الهاشميين في كربلاء، ومقارنتها فكريا بما يجري الان، فاننا امام الفتنة الكبرى مرة اخرى، وان الدين هو الذي يستخدم وقودا لها، وان الضحية هي مواطن العرب!!.
داعش من هي غير الخوارج ومتفرعاتهم من القرامطة والزط وعشرات الفرق التي كانت تندثر ثم تعود الى المسرح السياسي: فمن قتل نور الدين زنكي وهو يحارب الفرنجة، ومن حاول اغتيال صلاح الدين ثلاث مرات.. ثم من هم الحشّاشون؟؟.
ان دراسة بسيطة لاسبوع حادث عرسال ومجرياته تجعلنا نفهم مشهدا ولو محدودا للفتنة الكبرى التي تداهم العرب مرة اخرى!!
(الرأي)