التفاؤل بتحول الهدنة المؤقتة في غزة إلى دائمة تلاشى. ففور انتهاء الساعات الاثنتين والسبعين، أطلقت فصائل مقاومة فلسطينية صواريخها نحو بلدات إسرائيلية، وهاجمت طائرات الجيش الإسرائيلي أهدافا غير محددة في القطاع.
قبيل نهاية الهدنة، توعدت "كتائب القسام"؛ الجناح العسكري لحركة حماس، باستئناف قصف إسرائيل بالصواريخ إذا لم تتوصل الوفود المفاوضة في القاهرة إلى اتفاق يلزم إسرائيل برفع الحصار عن غزة، وفتح الميناء، وتحمل المسؤولية عن إعادة إعمار القطاع.
واضح أن شيئا من ذلك لم يتحقق في القاهرة التي غادرها الوفد الإسرائيلي المفاوض بالأمس. لكن على الجهة المقابلة، بدا أن المستوى العسكري في حركتي حماس والجهاد الإسلامي هو الذي يسيّر المستوى السياسي في الحركتين؛ فبينما كان الوفد الفلسطيني الموحد يفاوض في القاهرة، كانت التعليمات تصدر له على شكل بيانات من قبل المتحدثين باسم الجناحين العسكريين؛ "كتائب القسام" و"سرايا القدس".
يعزو المراقبون هذا الوضع إلى شعور المقاتلين في حركات المقاومة بأن ما تحقق من نتائج غير مسبوقة في ميدان المعركة، وما قدموا من تضحيات، يمنحانهم الحق في إملاء مواقفهم على المستوى السياسي، خاصة في حركة حماس كبرى حركات المقاومة في قطاع غزة.
"كتائب القسام" لم تكن البادئة بإطلاق الصواريخ على إسرائيل بعد انتهاء الهدنة، وإنما "سرايا القدس"؛ لا بل إن المتحدث باسم "القسام" بادر إلى نفي الأنباء عن مشاركة مقاتليها في إطلاق الصواريخ.
انتهاء الهدنة من دون تجديدها يعني عودة المواجهة من جديد. إسرائيل أعلنت أن لا نية لعودة قواتها البرية إلى القطاع، لكنها في المقابل مستعدة لاستئناف الغارات الجوية، وقد أمر نتنياهو بالفعل صباح أمس جيشه بالرد على صواريخ المقاومة. وإذا لم تفلح الجهود الدبلوماسية في احتواء الموقف سريعا، فإن غزة على موعد مع موجة جديدة من العدوان الإسرائيلي.
فلسطينيا، تشعر كتائب المقاومة أنه بعد كل هذه التضحيات، لا يمكن العودة إلى نقطة الصفر، والخروج من المواجهة من دون تحقيق مكاسب سياسية هي في الواقع حق مشروع لشعب غزة، وفي المقدمة مطلب رفع الحصار الجائر عن القطاع. ويعزز هذا الشعور القناعة بقدرة المقاومة على مواصلة عملياتها العسكرية وإطلاق الصواريخ، رغم الكلفة البشرية والمادية المترتبة على استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة وأهلها.
لكن ثمة محاذير يتعين التنبه إليها. فعلى المستوى الفلسطيني، قد لا تصمد وحدة الموقف بين الفصائل إذا لم يكن هناك توافق على المسائل التكتيكية كافة، وجدول المطالب المطروحة على طاولة المفاوضات في القاهرة. إذ يعتقد بعض الأطراف أن بالإمكان القبول بوقف إطلاق النار الفوري من دون ربطه برفع فوري للحصار.
وعلى المستوى الدولي، ينبغي على الجانب الفلسطيني الحذر من الظهور كطرف رافض لوقف إطلاق النار، لأن ذلك يعزز الرواية الإسرائيلية المضللة، ويضرب الاتجاه المتنامي في أوساط عالمية واسعة ضد إسرائيل بعد هول الجرائم التي ارتكبتها في غزة.
ليس مطلوبا من فصائل المقاومة التنازل عن مطالبها المشروعة، لكن عليها أن تبني مقاربتها لهذه المطالب على نحو يجعلها مشروعة أيضا في نظر العالم، لتبقى المعادلة على ما هي عليه: كيان إرهابي محتل، ومقاومة تقاتل من أجل الحرية والاستقلال.
(الغد)