"أنا أحد المعلمين في مدرسة حكومية لن أذكر اسمها ولكنها تتبع قصبة عمان، وتوجد في منطقة راقية نوعا ما. لن أتهرب من مسؤوليتي، ولكن للأسف نحتنا في الصخر. تخيل سنة كاملة ونحن نطالب ببديهيات العملية التربوية في كل شيء، لكن لا حياة لمن تنادي. يأتي المشرف التربوي وحتى مدير التربية ويشربان القهوة والشاي وكأنهما لا يريان شيئا.
كيف يكون العطاء وأنت لا تملك كرسياً نظيفاً أو طاولة أو دورة مياه نظيفة؟ وزارة التربية تحتاج إلى مخلصين في جميع المناصب، وليس إلى سحِّيجة. كانت صدمة كبيرة عندما عدت من إجازة بدون راتب لأجد مدارسنا عبارة عن جدران فقط"!
هذا التعليق المحزن، فعلاً، نُشر أمس على موقع "الغد" الإلكتروني، وذكّرني باتصال هاتفي من أحد المعلّمين، والذي كان حديثه يقطر ألماً على حال التربية والتعليم، وما وصلت إليه المدارس الحكومية من ضعف في مستوى التعليم والتحصيل الدراسي، وهو ما أصبح واضحاً سافراً أمام أعيننا بعد نتائج امتحان الثانوية العامة "التوجيهي" هذا العام، التي قدّمت المؤشرات الدقيقة الصحيحة، بعدما وصلت هذه العملية بأسرها خلال الأعوام الماضية إلى حافّة الانهيار.
وبالرغم من أنّ النسب التي أعلنها وزير التربية والتعليم تعتبر متدنية جداً، سواء من زاوية العلامات المرتفعة، أو من زاوية النجاح والرسوب، أو من زاوية المدارس التي لم ينجح منها أحد، إلاّ أنّ هناك إشارة لافتة ومهمّة في تقرير حملة "ذبحتونا" عن نتائج الثانوية العامة، يتمثّل في الرقم الفلكي للمستنكفين عن امتحان الثانوية العامة لهذا العام؛ إذ وصل إلى 40 ألف طالب وطالبة من أصل 126 ألفا، أي بنسبة تزيد على 31%. وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الثانوية العامة، وتحتاج، بالفعل، إلى توضيح وإيضاح أو تفسير من وزارة التربية والتعليم، وربما دراسات معمّقة لمجمل امتحان الثانوية العامة والتحولات التي حدثت فيه، خلال الأعوام الماضية!
ومع تقدير الحملة لأهمية إجراءات ضبط القاعات ومنع الانتهاكات في إعادة وضع الميزان الحقيقي لمستوى العملية التعليمية، ما أدى إلى هذا الحجم الكبير من الاستنكاف؛ إلاّ أنّ النسبة الصحيحة للناجحين من المفترض أن تشمل هؤلاء الطلاب والطالبات (الذين لم ينجحوا بطبيعة الحال). وعليه، تصبح النسبة الحقيقية للنجاح على النحو الآتي: في الفروع الأكاديمية (باستثناء الأدبي) 27.5 %، بينما في الفرع الأدبي 6.5 % فقط، وهي النسبة الأدنى في العشرين عاماً الماضية وفقاً للحملة، فيما تترهّل وتتراجع بصورة كبيرة مدارس كانت تعتبر ريادية في تاريخ المملكة، مثل كلية الحسين الثانوية المعروفة!
ليس ذلك فقط! فهناك انهيار كامل في عدد ونسبة الطلبة الحاصلين على العلامات المتفوقة، مقارنةً بالأعوام الماضية. وربما يفسّر ذلك التصريح المهم لوزير التعليم العالي د. أمين محمود (لموقع "عمون" الإلكتروني)، بأنّ "أغلبية من دخلوا الجامعات بمعدلات فلكية رسبوا عند بداية دخولهم الجامعات!"، ما يعني أنّ الخلل تراكم ما بين التعليم المدرسي والجامعي!
إذن، منع الغش والانتهاكات كشف المستور، ووضعنا أمام الحقيقة الصلبة، فيما الدكتور أمين محمود يعترف بأنّ وضع التعليم العالي ليس أفضل حالاً، ويتحدث هو وزميله وزير التربية والتعليم عن إجراءات وخطط لإنقاذ التعليم في الأردن. فيما يقدّم لنا وزير سابق رفض ذكر اسمه (في تقرير موقع "عمون" السابق) إشارة أكثر خطورة عن تأثير نتائج هذا العام وهذه المؤشرات على الجامعات الحكومية التي تعتمد على التعليم الموازي، كما على مصير الجامعات الخاصة التي تأسست وتوسعت على معطيات السنوات السابقة الخدّاعة!
في المجمل؛ الأردن في خطر. أيها المسؤولون، هذا هو أحد أهم مصادر تهديد الأمن الوطني والسلم الاجتماعي والقيم الأخلاقية!
عن الغد