هي موهبة .. نعم . ولكني لا أمتلكها . ومن هنا أُعلنها .. لن أنجح بها في يوم من الأيام ولم أَقُم بتجربتها بالأصل ! . فرحم الله امرء عرف قدر نفسه . لم تستهويني ذات يوم ولكني أستمتع بمشاهدة وسماع كل من يقوم بها بكل إتقان . قلة هم من يحققون ذلك - وهو رأي شخصي - ربما هو التخصص الوحيد في مجال الإعلام الرياضي الذي لم أقم به حتى الآن ولن أقوم به على الرغم من أنني كنت معلقا على رياضات السيارات . أتحدث عن مهنة التعليق على مباريات كرة القدم . فهي مهنة بحد ذاتها ولها فرسانها . ولكن وللأسف الشديد قد تصبح هذه المهنة .. مهنة من لا مهنة له !
فوجئت كثيرا وأنا اتابع برنامج "مشروع معلق" الشيق الحقيقة والذي بٌثت حلقتان منه عبر قناة الجزيرة الرياضية . بأن تسعة أو ثمانية من المتقدمين العشرة كانوا من أتباع المدرسة اللاتينية وهي المدرسة التي تعتمد على التفاعل مع اللقطة بعيدا عن الهدوء وهنا لا أعني "الصراخ" . ولَفْتِ انتباه المشاهدين من خلال مَد الكلمات ك "هدف" و "جول" وغيرها من الكلمات . وقبل "مشروع معلق" كان هناك برنامج "هز الملعب" الذي عرض على قنوات شو تايم . فهل باتت المدرسة الهادئة غير مطلوبة في مجتمعنا الكروي العربي ؟
لو أردنا أن نقسم مدارس التعليق في عالم كرة القدم فإننا نستطيع الوصول إلى مدرستين وقد يرى البعض بأنها ثلاث مدارس . فهناك المدرسة اللاتينية التي تحدثنا عنها ومن ثم الاوروبية والتي من الممكن تقسيمها إلى مدرستين . الأولى الإنجليزية التي تعتمد على الهدوء في الوصف والتعليق . والثانية الفرنسية التي تعتمد على المعلومة إلى درجة كبيرة . وما أثار استغرابي هو أن كثيرا من المعلقين العرب يعتقدون بأنهم ينتمون إلى إحدى هذه المدارس ولكن الواقع هو أن عددا لا بأس به منهم يفتقرُ لمزايا عديدة يجب أن يتمتع بها من ينتمي لهذه المدرسة أو تلك . فهل من الطبيعي أن نجد معلقا يقوم بالصراخ طيلة تسعين دقيقة دون كلل أو ملل ؟! ألا يعتقد هذا المعلق بأن المشاهد أو المستمع قد يصاب بالغثيان نتيجة لذلك ؟ وهل من الطبيعي أن نجد معلقا آخر غائبا أو مُغَيبا عن لقاء مدته تسعين دقيقة دون تفاعل ؟!
المحزن هو أن معظم المعلقين الحاليين وحتى من لديهم الرغبة في دخول عالم التعليق يعتقدون بأن الصراخ هو أبرز شيء يجذب المشاهدين والمستمعين . من هنا يجب التمييز بين التفاعل في التعليق و الصراخ . من غير المنطقي أن نجد معلقا في غاية الهدوء عند إحراز هدف او احتساب ركلة جزاء . ولكن هذا لا يعني أن يقوم المعلق بالصراخ وكأننا في معركة . حتى وإن كان أحد الطرفين هو منتخب البلد الذي يحمل هذا المعلق جنسيته .
التعليق على مباريات كرة القدم فن وهذا الفن له أصوله وميزاته ويجب على كل معلق أن يتمتع بصفاة أساسية لا يختلف اثنان على انها الأساس في تقديم أي معلق . كالصوت المقبول والثقافة الجيدة واللغة السليمة من حيث استخدام مصطلحات تليق بالصورة أو اللقطة بعيدا عن الأخطاء النحوية كذلك نطق الأسماء الصحيح ومواكبة كافة المستجدات في عالم كرة القدم من انتقالات لاعبين وغيره وهنا أعني المعلومة الممتازة يضاف إلى ذلك القدرة على الارتجال وهذه نقطة مهمة والأهم من هذا كله أن تكون للمعلق شخصيته الخاصة في التعليق بعيدا عن التقليد . والحقيقة فإننا في الأونة الاخيرة أصبحنا نستمع لأكثر من يوسف سيف وأكثر من رؤوف خليف واحمد الطيب . وهذا مما لا شك فيه ليس في مصلحة المعلق . قفد يتأثر معلق واعد بأحد المعلقين الكبار ولكن يفترض بعدها بأن يتخذ هذا المعلق مسارا خاصا به . ومن هنا أوجه رسالة لكل من تستهويه هذه المهنة أن يفكر مَلِيا قبل الإقدام على خطوة كهذه لأنها بحق مهنة المصاعب فالتعليق مدرسة ولها تلامذتها وأساتذتها .
Habeeb1978@hotmail.com