يقفز الوزير كيري من «تهدئة» غزة.. إلى مفاوضات الحل النهائي، وكأنه يقفز من استعصاء الجهد الذي بذله دون طائل.. إلى بر الأمان.. والبدء من جديد!
صحيح أن فتح وحماس والجهاد والجبهة والديمقراطية تجلس معاً للتفاوض في غزة، لكن تصوّراً واضحاً لنمط الوحدة النضالية لم يحصل حتى الآن. وحكومة «الوحدة الوطنية» هي جهاز انتخابي للاشراف على تشكيل مجلس تشريعي وانتخاب رئيس للسلطة.
الأفضل، أن لا يحاول أحد القفز مع الوزير كيري إلى المفاوضات النهائية.. مفاوضات الحل الأخيرة. فالمطلوب الآن الخروج من كارثة غزة بموقف فلسطيني موحد والمهم أكثر اعتياد حماس والجهاد وفتح على العمل السياسي معاً. فهل يمكن قبول نظرية نجاح مرشح حماس في انتخابات الرئاسة.. رئاسة السلطة الوطنية، وهي رئاسة تطبق معاهدة أوسلو وملحقاتها؟
الجلوس حول مائدة التفاوض بتوافق جاد لمفاوضة الإسرائيليين، ولو عبر قناة المخابرات المصرية، لا يشكل وحدة فلسطينية في مواجهة المرحلة الخطرة، فالجميع بحاجة إلى الوقت, والثقة لإرساء تفاهمات تتعامل مع تأسيس دولة الفلسطينيين ومصلحة الشعب الفلسطيني وليس مع محاصصة المنظمات المفتوحة على كل ايديولوجيات العالم، وكل دول العالم المغرمة بالدفع لايجاد مكان لها حتى على قمصان لاعبي كرة القدم!
المهم إعادة الحياة إلى غزة، وإعادة الحياة إلى منظمة التحرير، فلن يسمع أحد صوت فلسطين إذا كان صوت الفقر والتشرد والمرض والفوضى السياسية. ولعل صراخ بعض الذين عاشوا تحت ردم بيوتهم: أين العرب؟ أين العالم؟ هو تعبير حقيقي عن غياب الصوت الفلسطيني الواحد القوي الواثق!
العرب الآن وراء المبادرة المصرية. وهي مبادرة تتجاوز وقف إطلاق النار. والمطلوب من العرب تحشيد مواقفهم ليس من أجل إعمار غزة فقط، وإنما من أجل وضع غزة داخل خارطة الدولة الفلسطينية. وإذا كانت أوسلو تعد الآن لمؤتمر مانحين لإعمار غزة في شهر أيلول، فالعرب أولى إلى التداعي من أجل هذا الاعمار، وربطه ربطاً عضوياً بوحدة فلسطين الوطنية: لا قرش لحماس ولا قرش لفتح.. وكل القروش لمخطط جامع يتضامن فيه الفلسطينيون لبناء وطنهم!
إن كثرة «أصدقاء» سوريا، من العرب وغير العرب هم الذين اسسوا لانقسام المعارضة: واعتماد النظام على القوة القمعية وهذا ما يجري في فلسطين منذ مائة عام، وقد آن الأوان لنفهم معنى الجسد الواحد.. ومعنى أن نقف معاً ونسقط معاً!
لقد بعثر العدوان الصهيوني - الاستعماري شعب فلسطين في الشتات. وكرّست أنظمة وأحزاب عربية هذه البعثرة بتمزيق جسد الفلسطينيين في الشتات. ولعلنا لسنا بحاجة إلى إيراد أمثلة.. حتى لا نصل إلى النتيجة المعيبة: وهي أن الأنظمة والأحزاب تسببت أكثر من العدوان الصهيوني الاستعماري في أذى الفلسطينيين، وخلخلة وحدتهم الطبيعية.
.. الفلسطينيون الآن أمام خيارهم المصيري: أن يقفوا معاً من أجل الوطن.. أو يبقوا كما هم.. بلا وطن.
(الرأي)