في كل مرة تأتي النتائج مخيّبة للآمال؛ الأردنيات، في غالبيتهن العظمى، يقبلن ويبررن العنف الذي يمارس تجاههن لأسباب سخيفة؛ فلا يكفي أن المرأة تتعرض للعنف، بل الأنكى أنها راضية بذلك!
نتائج الدراسات المعتمدة من قبل تقرير التنمية البشرية للعام 2014، والصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تحت عنوان "المضي في التقدم: بناء المنعة لدرء المخاطر"، تُظهر للأسف أن الأردنيات يتصدرن النساء العربيات في تبرير تعرضهن للضرب بنسبة 90 % منهن، تليهن نساء الصومال التي تغيب عنها الدولة بنسبة
75.7 %، فيما جاءت المرأة اللبنانية في ذيل القائمة بنسبة 10 % تقريبا.
تقبل المرأة الأردنية الضرب والعنف والاعتداء عليها، إذا أحرقت الطبخة، أو جادلت الزوج أو خرجت من دون علمه، أو أهملت الأطفال، أو رفضت إقامة علاقة جنسية؛ بحسب ما ذكر التقرير الذي أصدرته جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن".
الأسباب واهية وسخيفة. لكن الأخطر من المسببات هي النتائج التي تَرضى بها النساء المغلوبات على أمرهن، فتجدهن راضيات مستسلمات قانعات.
والقبول بتلك العواقب كان سيبدو أكثر "منطقية واستساغة!" لو أنه اقتصر على المرأة غير المتعلمة، الجاهلة بكينونتها وحقوقها، لكن الأرقام والواقع يقولان غير ذلك؛ فغالبية الأردنيات متعلمات ومتفوقات علميا أيضاً، ونسبة التحصيل الأكاديمي بينهن، بما في ذلك على صعيد التعليم العالي الجامعي، تفوق نسبتها بين الذكور.
المعطيات والنتائج متضاربة؛ فكيف يستوي العلم والمعرفة والتفوق الذي تثبته الأرقام، مع وعي متخلف في الوقت ذاته؛ بتقبل الضرب كأمر مسلم به؟!
الظاهرة الغريبة ترافقها تناقضات أخرى. فرغم أنهن الأكثر تعلما، إلا أن الأردنيات أيضاً هن الأقل في المشاركة الاقتصادية، إذ يتدنى معدل هذه المشاركة بينهن إلى مستويات غير منطقية وغير عادلة؛ فالمنطق يفرض أن يكون الأكثر تعلما هو الأحق بفرص العمل.
المثلث السابق يؤكد من جديد أن أحوال النساء ليست على ما يرام. والمشهد يعج بمتناقضات غريبة بحاجة إلى دراسة واقعية؛ تحلل المدخلات والمخرجات، وتقف على الأسباب التي تُظهر نساء الأردن على هذه الشاكلة.
القبول بواقع الحال وتبريره يجعل النساء مكتفيات بتلقي الإهانات والصفعات، من دون التفكير حتى في تقديم شكوى ضد المعتدي، بل على العكس؛ ربما يفضلن التستر على الاعتداء خوفا من الفضيحة، أو اعتبار الأمر عاديا لا يحتاج إلى إخراجه من الدائرة الضيقة للأسرة الصغيرة.
أمر النساء غريب؛ ففي الضرب إهانة وامتهان للكرامة واعتداء على الإنسانية، والتضحية بالتالي بقيم يُفترض أنها لا تخضع حتى للتفاوض، ناهيك عن التنازل عنها.
المشكلة أكبر من النساء؛ فالجميع فيها شركاء، بدءا من الأب الذي يربي ابنه منذ نعومة أظفاره على أنه رجل يحق له ما لا يحق لشقيقته. كما لا ننسى بعض رجال الدين الذين يروجون أفكارا مغلوطة، تمنح غطاء دينيا للجريمة، وبالتالي حماية شرعية ومجتمعية. وهي الأفكار التي باتت سريعة الانتشار في ظل الفوضى التي تعم المنابر، مدعومة ببعض واعظات لا يبخلن بمثل هذا النوع من الفتاوى بحق شقيقات لهن.
المشكلة مركبة ومسيئة للأسف؛ فكيف لإنسان، رجلا كان أم امرأة، أن يقبل الضرر والإيذاء، بل وأن يبررهما؟!
(الغد)