* كيف تصل المعونات الى المحتاجين
تداعى الشعب الاردني بكل أطيافه، وبما عرف عنه من التزام تاريخي بنصرة ودعم الأهل في الارض المحتلة، الى تقديم العون والمساندة الى قطاع غزة، أمام الهجوم الصهيوني الدموي الذي نال البشر والشجر والحجر، ولم يبق ولم يذر، ولم يسلم منه شيء في القطاع المنكوب، امام صمت رهيب، مشبوه من دول العالم، ومجلس الامن، والامم المتحدة، ودعم مطلق من قوى الامبريالية العالمية، التي اصمّت أذانها عن صرخات الأطفال الأبرياء الذين قضوا تحت الركام، ونواح الامهات الثكالى اللواتي شاهدن سقوط أطفالهن بام العين.
الوحشية التي يتعامل بها الجيش الصهيوني وآلته العسكرية مع القطاع وأهله، غير مسبوقة في التاريخ، حتى أنها فاقت وحشية جيوش المغول والتتار في أحلك لحظات ضعف العالمين العربي والاسلامي، الذين ما يزالان متفرجين من بعيد، مكتفيين بالاماني والدعوات المباركات والمظاهرات المستنكرة للعدوان، والتي تخرج هنا وهناك في اوقات متباعدة.
أهل القطاع الذين قدموا حتى الآن أكثر من ألفي شهيد وعشرة آلاف جريح.. والاف المنازل المدمرة، والارقام مرشحة للتصاعد باستمرار، يحتاجون الى أكثر من التظاهر والشجب والاستنكار، انهم يحتاجون الى العون الحقيقي والدعم اللامحدود.. والمدروس بعناية، بعيداً عن صخب الاعلام وضجيجه، يحتاجون العون الذي يساعدهم على التغلب على جزء من محنتهم القاسية.
الشعب الاردني الذي لم يتوانى يوماً عن تقديم العون والمساندة لتوأمه في الأرض المحتلة، لم يتوقف عند حدود التظاهر والتنديد، بل تنادى بكل أطيافه، افراد ونقابات وتجمعات وجمعيات، الى مد يد العون، عن طريق تقديم التبرعات بمختلف أشكالها وانواعها من الدم الى المال الى المساعدات الاغاثية المختلفة وهذا واجب فرضته أخوة الدم والدين والعلاقة التاريخية. وقد جاءت هذه التبرعات بدافع الشعور بالواجب.. عفوية وعلى طريقة الفزعة، دون تنظيم ودون دراسة كافية، لمعرفة الاحتياجات الحقيقية المطلوبة للقطاع وأهله.
ان الفوضى في تقديم الدعم والعون ليست هي المشكلة الوحيدة التي تواجه المهتمين بالامر، ولكن المشكلة الاكبر والاقسى هي إغلاق الحدود والمعابر والمنافذ الى القطاع،
مما يمنع وصول المساعدات ويشكل الضربة القاسية التي توازي همجية العدو وقسوة قذائفه ووحشية تعامله مع السكان المدنيين. وللخروج من هذه الازمة القاتلة يجب أن يتم تنظيم عمليات الدعم والتبرع، سواء كانت العينية او المادية، عن طريق معرفة المواد الاساسية التي يحتاجها الاهل هناك، وطريقة ادخالها عبر الحصار المفروض على القطاع واهله، ولعل الجهة الوحيدة القادرة على تنظيم العملية وادخال المعونات هي الخدمات الطبية الملكية، التي قدمت ما يزيد عن ثلاثين بعثة طبية الى المستشفى الميداني الأردني على مدى السنين الماضية، والتي سطرت باحرف من نور اروع ملاحم الرجولة والعطاء الصادق الموصول، والذي لا يعرف الحدود، في اصعب الظروف واكثرها قساوة وخطورة، وهي كذلك تعبير عن ذاتها، ومكنونة عقيدتها، وفلسفة الهاشميين ورسالتهم التاريخية والانسانية والاخلاقية، فهنيئاً للاردنيين بنشامى خدماتهم الطبية الملكية وقواتهم المسلحة ذخر الوطن والامة.
وفي الاطار نفسه، فقد بذلت الهيئة الخيرية الهاشمية، ولا تزال، جهوداً عظيمة ومشهودة لايصال مختلف أنواع الدعم الاغاثي والانساني للاهل في غزة، واستجابت لكافة المبادرات لشعبنا الاردني الوفي ومؤسساته وهيئاته، التي هبت لنصرة الاهل في القطاع والتبرع بالدم والمال، بل وبكل ما تستطيع، للمساهمة في تخفيف الالم والمعاناة عن شعبنا الفلسطيني في غزة هاشم.
ويمكن القول، وبملئ الفم، بان التحرك الاردني، وعلى مختلف الاصعدة والمستويات، شكّل حالة تضامنية حقيقية، قلّ نظيرها ، بعيداً عن الاستعراض والمِنِّية. ويقيناً أنّ هذه المشاعر الصادقة والمساعدة الاخوية، بحاجة الى التعزيز والبناء عليها، من خلال مراجعة وتقييم ما تمّ القيام به، والبحث عن السبل الاكثر فاعلية لتقديم العون متعدد الجوانب لمحتاجينه في غزة، وبخاصة اننا سنكون قريباً امام واقع جديد يتطلب معالجات لِكَم هائل من المشاكل والتحديات التي يواجها الاهل في القطاع، والمتمثلة في علاج الجرحى، وتأهليهم، واعادة بناء النظام الصحي، والبنى التحتية بشكل عام، واعادة الاعمار، والتأهيل المجتمعي، ورعاية الأطفال، والأيتام، والأرامل، والمصابين.
كل هذا وغيره الكثير، يتطلب جهوداً تنظيمية وادارية واغاثية جديدة، في اطار وطني يجمع كافة الجهات والهيئات المعنية بإغاثة غزة، لتكون النتائج فعّالة، وتنعكس ايجاباً على حياة الغزيين، وتساهم في تضميد جراحهم وتخفيف معاناتهم وتعزيز صمودهم.
*رئيس جمعية المستشفيات الأردنية
الغد