أستغرب الضجة المثارة حول نشاطات السفير الأميركي في عمان، إلى درجة تقديم النائب الإسلامي عبدالمجيد الخوالدة استجوابا للحكومة بخصوص لقاء بينه وبين شيوخ العشائر حرضهم فيه على عدم التحالف مع الإسلاميين. وفي التغطيات الصحافية تصريحات قوية للمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين سالم الفلاحات يصف فيها تحركات ديفيد هيل بأنها "خروقات غير مقبولة للسيادة الأردنية"!بدورها بادرت السفارة على لسان فيلب فيرن الناطق باسمها إلى نفي الخبر، معربا عن ذهوله بحسب ما نقل موقع وكالة عمون الأخباري. إذن ثمة "خروق " يقابلها "ذهول". وهو أمر غريب فعلا. فأميركا تخرق سيادة العالم ليس بتلبية سفير لدعوة أو بالتعليق على مداخلة أو إعطاء محاضرة في طلاب ثانوية، أميركا تخرق فعلا بوسائل أكثر جاذبية من خلال المساعدات والإبهار الثقافي والعلمي، وبوسائل أكثر قسوة من خلال مشاة بحريتها القادرين على التدخل في أي نقطة في العالم خلال ثماني عشرة ساعة. قوم يمشون على البحر ويبنون درعا صاروخية.. لا يخرقون سيادتنا باجتماع مختلق أو صحيح.
سياسة أميركا الخارجية في منطقتنا تحديدا لا يصلحها سفراء ولو عملوا على مدار الساعة. ولو التقوا بشيوخ العشائر وربات البيوت وطلاب المدارس. سياسة عدوانية تتجلى آثارها بادية في العراق وفلسطين، ولو صح أن السفير دعا شيوخ العشائر إلى عدم التحالف مع الإسلاميين لوجب على المراقب العام أن يشكره بدلا من اتهامه بخرق سيادتنا. فتلك ستصب في صالح المرشحين الإسلاميين. الأميركيون لا يخفون في العراق أنهم كانوا مع قائمة إياد علاوي وفي فلسطين كانوا مع فتح. النتيجة ماذا كانت؟ اكتساح الائتلاف في العراق واكتساح حماس في فلسطين.
لا يحتاج السفير الأميركي ولا الفلاحات إلى جهد كبير لمعرفة رأي الناس في السياسات الأميركية، عشرات الاستطلاعات أجريت سرا وعلانية بعد الحادي عشر من سبتمبر، دور السفير أن يمثل بلاده على مستوى رسمي وشعبي. السفير عندهم ليس مثل السفير العربي، عندهم معني بالتواصل مع الحكومة والمجتمع المدني بما فيه النقابات والإخوان المسلمون. وسبق للإخوان وجبهة العمل الإسلامي بعبقريتهم المشهودة أن رفضوا لقاء السفير الأميركي أكثر من مرة.
ليس دور السفير حضور استقبالات رسمية، وإقامة مآدب لعلية القوم من ساسة واقتصاديين، دوره التواصل باتجاهين، بمعنى أن عليه أن ينقل لحكومة بلاده كيف ينظر الناس لسياسات بلاده من خلال الحوارات المباشرة وليس من خلال التقارير والاستطلاعات والمقالات الصحافية. على سفرائنا أن يتحركوا بالطريقة ذاتها ويخرجوا من مكاتبهم، ولو أن السفراء العرب والمسلمين تحركوا في أميركا كما يتحرك سفراؤها في بلادنا، لأمكن إحداث تغيير في السياسات الأميركية على مدار عقود.
هذا دور السفارات في العالم، فهي دولة مصغرة، وليست قنصلية تختم جوازات السفر. بالمناسبة، الصديق ياسر زعاترة رجح في تصريحات ل "الجزيرة نت" أن يكون التحرك بهدف عزل إيران، لأن قانون الصوت الواحد لا يترك مجالا للتحالفات، لا ضير؛ فليتحرك السفير الإيراني في المقابل. وإذا كان السفراء لا يتحركون لا داعي لوجودهم أصلا.
yaser.hilala@alghad.jo