مرتكزات «الاستراتيجية» الأردنية !
صالح القلاب
05-08-2014 03:48 AM
الأوضاع الداخلية في كل بلدان العالم هي أهم ،بل أساس، أركان «إستراتيجية» الأمن الوطني وأيضاً الأمن القومي معاً ولعل هذا أكثر ما ينطبق على بلدنا ،المملكة الأردنية الهاشمية، التي غدت مزنرة بالنيران من كل جانب والتي يجب وبالضرورة الحفاظ على صمودها وتعزيزه وأول مرتكزات هذا الصمود هو عدم السماح بأيِّ إختراقات للجبهة الداخلية تحت أيِّ مبرر وأي حجة وهذا يستدعي بقاء أجهزتنا الأمنية مستيقظة وحاضرة وجاهزة لأي طارئ كما يستدعي أن تبقى أيدي جنود قواتنا المسلحة ،الجيش العربي، على «الأزندة» ويستدعي أيضاً أن يكون كل مواطنٍ «خفيراً» ينام كنوم الذئب.. عين «مُفتِّحةٌ» والأخرى «مسترخية»!!
كل الدول العربية التي ضربها زلزال «الربيع العربي» ،من جماهيرية القذافي إلى تونس إلى سوريا إلى العراق.. وإلى اليمن أيضاً، كانت نقاط ضعفها أوضاعها الداخلية فـ»المؤامرات الخارجية» التي يتذرع بها الذين إما اهتزت أو إنهارت عروشهم هي كذبة كبرى فـ»الأخ قائد الثورة» سقط ذلك السقوط المخزي الذي خلف كل هذه الأوضاع المأساوية لأن نظامه «الجماهيري» كان قائماً على التسلط والقمع والفساد والتمييز.. وهذا ينطبق على نظام بشار الأسد وعلى نظام نوري المالكي وعلى نظام زين العابدين بن علي وعلى نظام حسني مبارك وعلي عبد الله صالح.
لا يجوز إطلاقاً التراخي تجاه أي إستهداف لجبهتنا الداخلية ويجب الإستمرار بعملية الإصلاح التي بدأت ،إذا أردنا الحقيقة، في عام 1989 بوتيرة سريعة ومتصاعدة.. يجب الإنتقال بالحياة الحزبية من هذه «الهلامية» البائسة إلى أوضاع تستجيب لمتطلبات هذه المرحلة الخطيرة ويجب التعاطي بجدية أكثر مع ظاهرة الفساد التي لا شك في أننا حققنا إنجازات لا يمكن إنكارها في مجالات مقاومتها ومكافحتها إلاَّ أنه لابد من الإستمرار في ملاحقة هذه الظاهرة.
إن الجبهة الداخلية هي جدار الإستناد الرئيسي والأساسي والحقيقي لأمننا الوطني والقومي ولذلك فإنه يجب عدم التهاون مع أي محاولة ،سواءً كانت مقصودة أو غير مقصودة، للإساءة إلى هذه الجبهة فالمثل يقول :»والنار تأتي من مُستصغر الشرر» وعلينا إذا أردنا التساهل مع بعض القضايا ألاَّ نتساهل مع أي ظاهرة أو محاولة للمسِّ بالسيادة الوطنية أو الأمن الوطني فهذه الأمور تبدأ صغيرة ككرة الثلج النازلة من جبل شاهق وتنتهي كبيرة لدى الإستقرار عند أقدامه.. وحقيقة أننا بتنا نلمس «تطاولات» لا يجوز السكوت عليها لأنها ليست عفوية ولا صادره عن نوايا طيبة وحسنة وإنما عن أصحاب «أجندات» سيئة وخطيرة بقوا يستغلون الظروف لإحداث خلل في جدران قلعتنا الوطنية.
ثم وإن الركن ،أو المرتكز، الثاني لـ»إستراتيجيتنا» الوطنية والقومية هو القضية الفلسطينية.. فإسرائيل ستبقى عدواً بكل متطلبات وأشكال العداوة ما لم تحل قضية فلسطين الحل العادل الذي يستجيب لهدف قيام الدولة المستقلة المنشودة وعلى كل الأراضي التي أحتلت في العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.. أما الركن الثالث فهو إطارنا العربي الذي أصيب بـ»ثَلم» كبير بتصدع سوريا وتصدع العراق.. إنه علينا أن نبقى نعمل وبإصرار متواصل للإرتقاء بالتنسيق الحالي بين المملكة الأردنية الهاشمية وبين المملكة العربية السعودية ومصر والمملكة المغربية وبعض دول الخليج العربي إلى مستوى التكامل المنشود أمنياً وعسكرياً وسياسياً وإقتصادياً.. فالأوضاع العربية أصبحت بحاجة إلى رافعة حقيقية وبالإمكان أن يكون هذا التكامل هو هذه الرافعة المطلوبة.
وبالطبع فإن الركن الرابع هو علاقات متينة ومستقرة وقائمة على الإحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع كل الدول الإسلامية التي ترغب في مثل هذه العلاقات ومع الدول الفاعلة في المجال الدولي وهي بالتحديد الولايات المتحدة ودول الإتحاد الأوروبي والصين وروسيا والهند.. والعديد من دول أميركا اللاتينية.
ولهذا فإننا بينما هذه المنطقة باتت تغرق في هذه الأوضاع المأساوية الخطيرة فعلاً بتنا بحاجة إلى وقفة جادة لمراجعة أوضاعنا الداخلية وعلى أساس النقد الذاتي الجريء والشجاع ومراجعة كل هذا التداخل بيننا وبين القضية الفلسطينية وأيضاً مراجعة علاقاتنا بإطارنا العربي في ضوء مستجدات الأعوام الأربعة الماضية ومراجعة علاقاتنا «الإسلامية» والدولية.. إنه من غير الممكن أن نبقى نتمترس في المساحات الرمادية.. فهذا قد يكون ضرورياً ومفيداً لبعض الوقت لكنه سيكون مكلفاً بالتأكيد إذا إستطال أكثر من اللزوم!!.
(الرأي)