وقف المفاوضات أفضل من الاستمرار بها
عريب الرنتاوي
14-03-2008 02:00 AM
منذ أنابوليس حتى اليوم، لا يكاد يمضي يوم واحد من دون أن يعلن مسئول فلسطيني أو أكثر، عن قيام إسرائيل بتوجيه طعنة لعملية السلام، أو وضع عصي في دواليبها، أو دفنها تحت أنقاض غزة، أو قطع الطريق على الدولة القابلة للحياة، أو فرض الأمر الواقع بالقوة، تارة تعقيبا على قرار استيطاني، وأخرى تعليقا على عدوان واسع أو عملية محدودة أو اغتيال مدبر، أو حواجز متكاثرة أو اعتقالات جماعية.
حتى أن المواطن الفلسطيني ملّ حتى الضجر من هذه التعليقات وبات يحفظها عن ظهر قلب، بل لقد أصبحنا نعرف مسبقا ما الذي سيقوله صائب عريقات في "نشيده الصباحي" على الفضائيات التي يكثر من الظهور عليها، وصارت لغة "بيانات رد الفعل الفلسطيني" على قرارات الاستيطان والعدوان، مقروءة سلفا.
في المقابل، لا تقيم إسرائيل وزنا لكل ردات الفعل هذه، طالما أنها لا تخرج عن حدود المايكروفون واستوديوهات الفضائيات، بل أنها تمعن في التوسع الاستيطاني، وتقيم ألوف الوحدات الجديدة تحت سمع المفاوض الفلسطيني وبصره، وتوقف حواجزها الفريق المفاوض وتطلق النار على حراساته وتصيب بعضهم أو تعتقل بعضهم الآخر، فيما المفاوض، كبيرا كان أو صغيرا، يواصل مشواره إلى غرفة الاجتماعات في القدس الغربية وكأن شيئا لم يحدث، أو لكأن الأمر لا يستحق الوقوف دقيقة صمت وحداد.
يمضي المفاوض الفلسطيني إلى الأماكن المعدة والمواعيد المقررة سلفا، من دون أن يراجع صحف الصباح، ويحصي أعداد الشهداء والجرحى والأسرى التي تتكاثر باستمرار، يستمر المفاوض في "مزاولة" عمله الذي لم يعد يتقن ( أو لا يتقن ) غيره على الإطلاق، بعد أن أصبح التفاوض مهنة، يتوزع عليها المفاوضون الفلسطينيين بين "كبير" و"مهندس" و"عرّاب" و"أب روحي" إلى غير ذلك من أسماء لمسميات لم تثير سوى الإحساس بالشفقة والألم.
نمضي إلى عملية نعرف سلفا نتائجها المحدودة والمتواضعة، نواصل السير على الطريق المسيّج بالإشارات الدالة على "المنزلق والانزلاق" وعلى أنه "طريق غير نافذ"، لا نعرف متى نتوقف ولا متى نصرخ، ولا نفكر بـ"الخطة ب"، ولا نكلف أنفسنا عناء السؤال: ماذا لو أننا خرجنا من "مولد أنابوليس بلا حمص" ؟...ما الذي يتعين علينا فعله صبيحة اليوم التالي للفشل الذريع؟.
مثل هذه الأسئلة والتساؤلات، ما عادت تقلق أحدا على ما يبدو، فالمنكافات الصغيرة والمصالح الضيفة و"البرجوازية البيروقراطية" الناهضة على فتات المانحين وهرمية السلطة وامتيازاتها وفسادها وعطاءاتها واحتكاراتها وشركات جيل الأبناء من قادتها، جيل الديجيتال والاتصالات، تذهب بهؤلاء جميعا إلى حيث لا يشتهي الشعب الفلسطيني، ولا تشتهي سفن وأشرعة قضيته ومصلحته الوطنية.
ترشيد المفاوضات اليوم، لم يعد يعني سوى شيء واحد أوحد: وقفها بصورة تامة وحازمة إلى أن ترضخ إسرائيل لشرطين: وقف كافة، ونشدد على كافة الأنشطة الاستيطانية، ووقف كافة ونشدد على كافة أيضا، الأنشطة العدوانية وجرائم الحرب التي تمارسها بحق الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة والقدس، على حد سواء.
لم يعد للمفاوضات اليوم من وظيفة سوى التغطية على التوسع الاستيطاني والحرب المجنونة على الشعب والحقوق، ولم تعد للمفاوض من وظيفة سوى التواطؤ على هذا الذي يجري، وقد آن أوان الانسحاب من هذه العملية قبل أن نتلوث بنتائجها وحتى لا نكون جزءا من لعبة شراء الوقت الثمين التي خططت لها حكومة أولمرت – باراك – ليفني، ونجحت في إدارتها أيما نجاح، لا لذكاء منها، بل لعجز وخبل منا. (عن موقع القدس للدراسات).