مجزرة التوجيهي في الأردن .. بطلها .. د.ذنيبات
اسعد العزوني
04-08-2014 04:34 AM
بعد أن منّ الله جلّ في علاه ،على الشعب الأردني ،بأن نجّاه من تداعيات "السخام العربي"، وما نراه في كل من تونس وليبيا ومصر وسوريا، بسبب إنتهاج سياسة الحكمة ، وأمور أخرى لا مجال لذكرها هنا ، جاء من يذيق الشعب الأردني أشدّ صنوف العذاب النفسي ،ويسجل أشنع أنواع الإنتقام منهم،وبطرق ممنهجة ،ومدروسة ،ومدققة جدا.
قبل الغوص في التفاصيل ،نعترف بواقع التعليم عندنا ،وبضرورة تصحيح مسار التوجيهي لأنه المخرج الرئيس الأول للعملية التعليمية ،وهو الذي يقرر مسار ومخرج التعليم الرئيس الثاني ،وبالتالي يقرر مسار حياتنا بشكل عام.
لكن وليسمح لي معالي الوزير أن أعتمد القسوة في الخطاب ،نظرا لشدة وقع الصفعة التي وجهها لنا جميعا معاليه،وأقول :ليس هكذا تورد الإبل يا وزير التربية!! فالإصلاح التعليمي يبدأ من "تحت" ،عكس الإصلاح السياسي الذي يبدأ من "فوق".
كان يتوجب على وزير التربية أن يبدأ من المرحلة الإبتدائية ،ويتدرج إلى ما هو أعلى ضمن خطة خمسية على الأقل ،إن لم يتمكن من إعتماد الخطة العشرية ، وبذلك يكون طالب التوجيهي قد غير مساره وإعتاد المسار الجديد دون خسائر ،بل وأجزم أن هذه العملية كانت ستوفر على الأهالي الكثير من الكلفة المادية والنفسية ،فقد دخلنا مسارب خاطئة مجبرين منها المراكز الخاصة والمدارس الخاصة والمدرس الخصوصي ،ولا أظن ان الشعب الأردني يقبع على محيط من النفط ، جرى تقسيمه بالعدل بين الجميع ،ليتمكنوا من الصرف على أبنائهم بعد أن تركتنا وزارة التربية نهبا للمدارس الخاص ،وتبعاتها.
مارس د.الذنيبات العديد من الممارسات التي لا تندرج ضمن أي حال من الأحوال في المسار التربوي الذي هو في أساسه تقويمي إصلاحي غير مكلف ، بل جل ما صدر عن معاليه عبارة عن نتاج نهج عسكري ينفذه ضابط لم يحفظ درسه جيدا ،ولم يعلم حتى اللحظة أن العسكرية باتت علما ونظريات ،وليست عنتريات تستند إلى ممارسات إنتقامية .
أولى سقطات الوزير أنه بدأ بالعبث في مصير أبنائنا وقتل فرحتهم وفرحتنا ،بطريقة لا تنم عن دراية تربوية،وإني لأستغرب أشد الإستغراب :أين مستشارو الوزير ؟وما دور الأمين العام للوزارة ؟هلى يأتون إلى الوزارة للراتب المريح آخر الشهر ؟أم انهم مضبوعون من معاليه؟وفي كلتا الحالتين يجب محاسبتهم قبل محاسبة معاليه ،هذا هو المنطق ،أن يحاسب المقصر والمخطيء،ويجازى بالخير المبدع والمصلح .
ما يمكن قوله هو أن معاليه ، إشتغل بالإصلاح بالمقلوب ،ولذلك جاءت نتائج إصلاحاته دمار هيء له أنه يبني ،أو على الأقل أنه يؤسس لبناء سليم ،ولا أظن ذلك ،لأنه لم يهتدي لطريق الإصلاح الصحيح ،بل قصف عشوائيا وأنتج قصفه ركاما ،ظن أنه سيقوم بترتيب البيت من جديد بعد هدمه على من فيه.
لم يراع معالي الوزير قيم الشعب الأردني ،بل قذفه بأبشع الشتائم ،ظنا منه أن ذلك سينجيه من فعلته ،وقال لا فض فوه أن الأهالي لم يحسنوا تربية أبنائهم الذين يقضون معظم أوقاتهم في مراكز النت وأمام مدارس الإناث يتحرشون بالطالبات ،وما أعظم هذه التهمة ،خاصة عندما تصدر عن وزير أنيط به حمل حقيبة التربية والتعليم ،التي تعد هي الأقوى من بين كل الحقائب الوزارية ،ونتمنى على الله أن نعيش مرحلة يكون فيها حامل الحقيبة كفؤا قادرا مصلحا ومتنورا .
أما ثالثة الاثافي والتي لن ننساها لمعاليه ،فهي ممارسة الخديعة والإنحراف عن جادة الصواب في تعامله مع إعلان نتائج التوجيهي ،فقد رأيناه على الشاشات وهو يمارس فن الخداع لمن كان يحاوره ،وهو يعلم أن الأهالي كانوا ينتظرون خروجه على الشاشة على أحر من الجمر ،لكنه خيب ظنهم ،ونسي أنه وزير تربية وتعليم ،يجب أن تتوفر فيه كل الصفات الحسنة ،حتى يقتدى به .
لكنه لم يظهر أيا من هذه الصفات ،وتعنت كثيرا ولم يعط المذيعين إجابة واحدة على أسئلتهم ،بل إستعرض قدراته في فن الخداع ،وقال كلاما عاما ظنا منه أنه أنجز وأبدع ،مع أنه عاقب وعذّب وعنّف الجميع .
وليس من نافل القول أن نوضح لمعاليه،أنه ليس عيبا ولا حراما أن يحصل مئات الطلبة على علامات مرتفعة جدا ،فهذا ليس غشا ،وهو يعرف كيف تتم عملية الغش ،ولصالح من ،كما أن ذلك لا يتأتى بزيادة العلامات لأنه يعرف أيضا لم تتم زيادة العلامات ومن يتضرر بسببها .
كنا نعرف أنه لن يعلن النتئج قبل العيد ،ليس حبا ولا رأفة بالطلبة وأهاليهم ،بل إمعانا في تعذيبهم والثأر منهم لتعليقاتهم على نتائج الدورة الأولى، وكنا على قناعة تامة بأنه لا يريد إظهار الصدمة في العيد ،لأنه يحضر لمجزرة تعليمية مخيفة ستهز أركان البلاد .
بعد العيد كثف معاليه حربه وأوعز لأركان حربه اللعب بأعصاب الناس ،ونشرت وسائل الإعلام العديد من الأخبار حول إعلان النتائج ،وكان هناك من تخصص بنفي الخبر والإتيان بخبر جديد ،المهم أن آخر خبر أفاد على لسان معالي الوزير أنه لا نتائج قبل الإثنين ،بعد ورود أخبار على لسان معاليه أن النتائج ستعلن فبي الأيام الثلاثة الأولى بعد العيد ،لكنه وبعد الخبر الأخير أنه لا نتائج قبل الإثنين فاجأ الجميع بإعلانها يوم الأحد ،فأي وزير هذا ؟وأي طاقم يعمل معه؟
الطامة الكبرى التي خلفتها سياسة وزير الترية هي النتائج ذاتها ونسبها المتدنية ،ولا أظن ذلك أنه نتاج إهمال الطلبة ،بل يعود ذلك إلى عدم وجود سياسة تربوية تعليمية عندنا بدليل خصخصة التعليم بدءا من رياض الأطفال وإنتهاء بالجامعات التي تخرج عاطلين عن العمل.
أهمس في أذن الوزير برجاء ألا ينفعل بل أن يراجع حساباته ويعترف بخطئه الذي أسس له الوزراء السابقون الذين تركوا أبناءنا في مهب الخصخصة،وأصبحت السياسة التعليمية عندنا أن يحشر الطلاب في الصف وأن يكون دور المدرس هو الحراسة في الغرفة الصفية بأقل الخسائر ،وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن فيه من تدن في العملية التربوية التعليمية ،وسوء وضع المدرس .
ما أود قوله هو أن الإصلاح يجب أن يبدأ من الصف الأول الأساسي ،وألا يترفع الجميع بغض النظر عن مستواهم التعليمي،وألا يبقى المدرس على حاله من الضعف والفقر وعدم التسلح بما هو جديد،وألا يستمر تمدد المدارس الخاصة وتواصل شراء المتفوقين من المدارس الحكومية ،وأن يتم قطع دابر التدريس الخصوصي ،وتحويل المراكز إلى شركاء للوزارة ضمن صيغة متفق عليها .
إن نحن أحسنا السير في عملية الإصلاح ،فإن النتائج ستكون لصالحنا وسيكون إمتحان التوجيهي على غير هذه الصورة العصماء العمياء.