أن تقع جريمة قتل هنا أو هناك ضمن مساحة 89 الف كيلو متر مربع هي مساحة الأردن الجغرافية وضمن المعدل المقبول تناسبا مع السكان فلا بأس بذلك فقد بتنا نعتاد على ذلك كما لو أنها مشاهد سريعة في نشرة أخبار تلفزيونية عن حادثة قتل وقعت في غزة ، ولكن ما لا يمكن تخيله ولا قبوله ولا الصمت عليه تلك الوحشية و تضخم الأرواح الشريرة داخل أجسامنا الرقيقة والإستيقاظ المفاجئ لذلك الوحش داخل جسم المجتمع المحيط بالمجرم أوالضحية.
ودعنا شهر رمضان وسيعود لأعوام مديدة ، ونسينا أننا نحن الذين لن نعود له حين يأتي قطار الموت ليقلنا مع الراحلين ، ومع هذا وقعت جرائم عديدة ، ومع هذا صمت المجتمع على دناءتها ووضاعتها ، ومع ذلك لم يردع البعض أي رادع ، تقوم «العشيرة» بحرق ثمانية عشر منزلا ثأرا لمقتل شاب بلا ذنب لأهل تلك البيوت.. أين نحن يا جماعة ، بل من نحن ؟ هل ما نزال ندعي أننا بشر ولنا عقول ولنا سلطة امتطاء الدواب على عكس ما يجب؟!
لقد بتنا جميعا نحن وحكوماتنا معتادون على مواسم ارتكاب الجرائم مثلما اعتدنا لدغات البعوض فتبلد أحساسنا بالمسؤولية ، وكما بتنا نعتاد على الإستخدام المتخلف والأرعن و الهمجي للشوارع العامة التي تحولت الى مضمار لنفايات صناعة السيارات التي تتسابق بجنون وسائقوها يريدون منها أن تكون طائرات ميراج جديدة ، ومن الممكن وسط هذا الوصف أن تحدث جريمة قتل مرتبط سببها بـ «جحرّة عين» أو « لز عليّ بالسيارة» ، أما ما لا يمكن فهمه فهو رد الفعل الجماعي الوحشي والقطيعي عقب أي جريمة تقع ، وليت هذه الردود تكبح مستويات الجريمة ، فكنا قبلنا بها ، ولكنها تزيد في تعميق الجروح ونكئ قديمها.
كل هذا يحدث ونحن نائمون في العسل الإجتماعي الكاذب ، لا أحد منا يريد القيام بواجبه في ردع مثل هذه التصرفات الهوجاء ، أقلّها إعلاميا وعلى منابر المساجد التي يسمح للخطيب الجاهل أن يعتلي بعضها وأن يخوض في أي قضية سياسية كيفما يشاء ، ويشتم ويدعو الله بالثبور للأعداء ولا يجد متسعا ليذكر الناس بإنسانيتهم وبالأخلاق الحميدة وبقيمة العفو والصفح الجميل ، وأن الحلم والعفو والسلام هي من تعاليم الدين الحنيف، إنهم لا يخصصون دقيقة للحديث عن أهمية تربية الأبناء تربية الحكماء لخلق جيل يعظّم روح التضحية والإيثار والخلق الرفيع، فيما المعلم في الصف لم يعد معلمنا القديم فلا المناهج تربي ولا هو يبادر لزرع بذور المحبة في تلك الغراس الغضة.
في رمضان الفضيل كانت هناك فرصة لنعيد حساباتنا الإنسانية ، وأن نفهم معنى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونطبقه ولو باللسان ، ولكن أن لا نقيم وزنا لله تعالى ولا لتحريمه إزهاق الروح والترويع الإجتماعي ، ولا نحترم ما تبقى لنا من قيم إجتماعية وأخلاق ، وبتنا نتمرد على سلطة القانون ولا نرى في التواجد الأمني رادعا لنا عن ارتكاب سلسلة جرائم تتبع الجريمة الأولى فذلك خطر داهم وشر مستطير يهدد تماسكنا الوطني.
ما يجري عندنا ليست مجرد جرائم فردية بل جرائم مجتمع نرتكبها جميعنا بصمتنا وعجز القانون عن ردعها ، حتى بات المجتمع مستفزا يثور لأتفه الأسباب ، وغالبية الناس أصابها الكِبَر ، حتى تخال أننا مجتمع طواوويس لا أحد يقبل أن يخضع نفسه للآخر ، على الرغم من أن ذلك من صفات الرجولة والزعامة والمشيخة الأصيلة ، لا كما نرى من تصرفات المستشيخين والزعامات المستجدين ، إذا ما الذي ننتظره لنبقى كما كنا نفاخر بأننا مجتمع راق ٍ ، متطور عن محيطنا ، هل ننتظر إلا أن يبتلينا الله بكارثة عامة طامة ، فلننظر الى أهلنا في غزة لقد أمعن العدو في قتلهم ونحن نغني ونرقص ، فهل العدو أرحم من بعضنا ببعض.
لا يمكن أن يضع الأمن العام شرطيا حارسا لكل بيت ولكن يمكن إيقاظ شرطي الضمير في نفس كل مواطن ليحرس أخلاقه وقيمه وإلا فلا بد من قانون عقوبات مغلظة يا دولة القانون.
(الرأي)