ليست المرة الأولى، ويبدو أنها ليست الأخيرة، التي يخرج فيها أنصار داعش إلى العلن، فخلال الشهرين الماضيين نفّذ أنصار التنظيم فعاليتين، كان آخرهما أول أيام العيد؛ إذ تجمعوا في محافظة الزرقاء ورفعوا رايات تنظيمهم، كما رددوا هتافات للدولة ولأميرها أبو بكر البغدادي.
منذ تنصيب البغدادي وإعلانه خليفة للمسلمين، خرج أنصاره ومريدوه في معان قبل أكثر من شهرين، وشاهدناهم يرفعون الرايات ويغنون للخليفة، وفي الأثناء بايع زعيم السلفية الجهادية في الأردن أبو محمد الطحاوي أمير الدولة!!
لست مختصة بالحركات السلفية، والرد على سؤال حول مدى قوة هذا التنظيم وانتشاره في الأردن، مايزال غير معروف بدقة حتى من قبل المختصين بمتابعة تلك الحركات.
بيد أنني أناقش القضية من منظور المراقب والمواطن الذي ينظر بريبة إلى ماهية تطور ونمو هذا التيار الإرهابي ويتخوف من انتشاره، بعد كل مشاهد القتل والتنكيل، وإشاعة التطرف والطائفية في العراق وسورية.
رسميا؛ لم يخرج تصريح واحد يدين التنظيم ونهجه، ورغم أننا نسمع عن خطة لمواجهة هذا الفكر إلا أن الشواهد العملية عليها غير ملموسة ويبدو أنها سرية، ولذلك لم يتم الحديث عنها، كما لم نسمع عن خطوة رسمية واحدة بهذا الخصوص، الأمر الذي يتطلب رسالة إعلامية حكومية، تشرح للمجتمع المتشكك والخائف، خطة الردع الحكومية للتيار.
المسألة الأخرى، كيف يجرؤ التيار على الخروج علانية وتنظيم فعالياته وبثها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا الإعلام التقليدي، لو كان يستشعر موقفا رسميا وشعبيا معاديا له، خصوصا أن المجتمع الدولي اعتبره تنظيما إرهابيا، عدا عن أنّ الأردن مصنف منذ سنوات كدولة تحارب الإرهاب، لكنه هذه المرة في بيتنا؟!.
القصور في إعلان المواقف ليس رسميا فقط، فالقوى السياسية الرئيسية في البلاد، وبالتحديد الإخوان المسلمون، لم تعلن أيضا موقفا حاسما من داعش، وظل كل ما يخرج عنها في إطار التعميم، بعيدا عن الإدانة الصريحة لهذا التيار، رغم أن الحالة العامة والانتصارات التي يحققها في الإقليم تتيح لأنصاره مزيدا من الثقة تشجعهم على الخروج علانية كتعبير واضح عن الثقة بالنفس.
تحجيم هذا الفكر بحاجة إلى موقف واضح لايقبل التسويف من جميع مكونات المجتمع السياسية والاجتماعية، فعدم إعلان المواقف كأنما يمنحهم الشرعية، ومن هنا يظهر الدور المهم للإعلام في تسليط الضوء على حقيقة أفعاله وجرائمه، التي تشغل العالم عن ما يحدث في غزة، مع الأخذ بالاعتبار أن بوصلة هذا التنظيم لا تتجه نحو المحتل الإسرائيلي، بل في غايات أخرى تلعب دورا في تقسيم المنطقة وإضعاف العرب عموما.
داعش اليوم بيننا، ومواجهة فكرها المتطرف، لا يتم فقط بالحلول الأمنية، بل بالمواقف المعلنة التي لا تخشى تهديداتهم، وبوضع خطة إصلاح طارئة بمحاور سياسية اقتصادية واجتماعية أيضا، توفر إطارات فكرية مختلفة تستوعب الشباب الطامح بالتغيير والتعبير، وتؤمّن أدوات جديدة تشبع حاجة الفرد في المشاركة في صناعة القرار، وتجفف شعوره بالتهميش وقلة الحيلة.
إهمال الأمر، يغذي قبولا شعبيا غير معلن لأفكار هذا التيار، الذي يغلف نفسه بالإسلام، ويستثمر ضعف الوعي وتجهيل الشعوب الذي مارسته الأنظمة لعقود، وهي الأنظمة ذاتها التي حاربت التيارات الأخرى من إسلام معتدل، ويسار وأفكار ليبرالية حقيقية، حتى خلقت داعش وأخواتها بقصد أو بدون قصد.
البعض يتغنى بداعش ويصفق لها نكاية بالسياسات الرسمية، وهنا يكمن الخطر الحقيقي.
(الغد)