ملح غزة يُزهر ربيعا ومقاومة
عمر كلاب
02-08-2014 03:02 AM
بإعادة تعديل بنود المبادرة المصرية وفقا لاشتراطات المقاومة وشروطها، يكون ملح غزة قد أزهر في تعبير استحالي فرضته المقاومة الغزّية والصمود الاسطوري لاهل القطاع الباسل، الذين قادوا معركتهم بأنفسهم وخلقوا واقعا جديدا الزم الجوار الجغرافي والعدو الصهيوني على الاعتراف بتغير ميزان الرعب وارتفاعه لصالح المقاومة الفلسطينية .
جراح غزة وانقطاع كل سُبل العيش الانساني وما خلّفه ذلك من املاح ودماء تحت اللسان والاسنان، انقلب الى زهور بفعل بداية انعدال الميزان، فمعادلة الحرب مع الكيان الصهيوني لمن يحب ان ينظر اليها من عين المقاومة تحسّن بشكل طردي هائل، فالقتيل الاسرائيلي كان يقابله مائة شهيد فلسطيني، اما في الحرب الاخيرة فإن القتيل الاسرائيلي يقابله عشرون شهيدا -هذا وفق ارقام الصهاينة الكاذبة - معظمهم من الاطفال والشيوخ والنساء وليسوا من المقاومين.
فالحرب التي تقودها اسرائيل قذرة وخالية من معايير العسكرية الشريفة على عكس المُقاوم الفلسطيني الذي قاد حربه بشرف واستهدف الجنود والمستوطنين، وهذه استهدافات مشروعة تكفلها حتى قرارات الامم المتحدة الجائرة، وهذا فخر لكل فلسطيني وعربي وانساني، يعلم يقينا ان المقاومة تكتسب شرعيتها ومشروعيتها من ايمانها بالحق والانسانية ويزداد انصارها ومؤيدوها من التزامها بالمعايير الاخلاقية والاهم التزامها بالمعايير الالهية العظيمة.
المقاومة الغزّية لم تكنفِ بتعديل ميزان الرعب بل اعادت القضية الفلسطينية الى تراتبيتها الاولى في العالم والمنطقة التي اغفلت سبب الازمة العربية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبدأت تتعامل مع نتائج الازمة، فكل الانظمة العسكرية والقمعية مارست افعالها بحجة التحرير، وكل مشاريع التنمية خسرناها بحجة التسليح للتحرير، وكل اقصاء وتهميش وتزوير للناس تم بحجة الاستعداد للمعركة الكبرى، فجاء الربيع العربي قاصرا عن المعالجة الحقيقية للاسباب وانشغل بمعالجة النتائج، فبقي المرض وارتفعت الحرارة بفعل الاعراض الجانبية المُصاحبة لاختلال العلاج.
ما احدثته المقاومة من زلزال في الوعي العربي ومن انفجار في العقل الاسرائيلي يحتاج الى قراءة مستفيضة، لمن يؤمن بأن حرب التحرير بحاجة الى ضحايا خاصة وان الخصم خالٍ من كل مقايس الشرف والانسانية، فالدم جزء من عقيدته والقتل ديدنه حتى في الانبياء والمرسلين فكيف الحال بأطفال ونساء وكهول غزة، فهو يعلم انهم مقاومة قادمة وليسوا مجرد ارقام تعيش على اضيق بقعة بشرية، على عكس ما يحاول اتباع ديانة السلام السراب من اصحاب العقول المعقوصة من تفسير الحرب الاخيرة بوصفها مجانية ولم تثمر الا عن قتل المزيد من الفلسطينيين في غزة .
تعديل المبادرة لا يمكن قراءته بوصفه جهد ديبلوماسي او تفاعل عربي مع الضحايا، بل هو اول ثمرة من ثمار المقاومة واول زهرة من زهور غزة التي فرضت ايقاعها وشروطها، والتعديل اول قصف لتيار الخذلان العربي والعالمي، فالخذلان يأتي من الصديق والقريب ولا يأتي من العدو وحلفائه،ولعل هذا يؤشر الى استرداد الفلسطينيين لمصدر قوتهم ومصدر احترام الجميع لهم، فبدون المقاومة لن يحفل احد بالقضية قريب كان ام بعيد، والضعيف لا مكان له على الخريطة الدولية.
بالمعيار العسكري حققت المقاومة الغزّية نصرا رغم الموارد الضحلة واختلال موازين التسليح، فعدد القتلى من الجنود الصهاينة اكبر بكل المقاييس من شهداء المقاومة، والخسائر الاقتصادية لاسرائيل تفوق خسائر غزة بملايين الدولارات، والاهم خسائر اسرائيل البشرية فهذه اهم موارد الكيان الصهيوني .
العصف المأكول كانت فارقة في التاريخ الفلسطيني والمراكمة عليها بالسلوك الوحدوي الحاصل حاليا وتعميق اسلحة المقاومة وتركيزها سيجعل الامل مفتوحا وقريبا، وعلى من اتبع سياسة السلام السراب إمّا أنْ يُعيد النظر أو على اضعف الاحوال ان يصمت ويترك المؤمنين بالمقاومة يعملون لقلب الواقع لصالح الحق والعدل .
(الدستور)