في كلمة ذات دلالات غنية، خاطب خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز شعبه السعودي وأمته المسلمة بمناسبة عيد الفطر.
الكلمة تعبر عن شعور السعودية بدورها التاريخي والمعنوي تجاه أمن العرب والمسلمين، بل وتجاه الأمن العالمي باعتبار أن المسلمين يشكلون ما يربو على خمس سكان العالم، والديانة الإسلامية أكثر الأديان نموا وتوسعا.
لقد انفجر الأمن الإقليمي في المنطقة، وتعرضت بلدان العرب الكبرى للرياح والزلازل، وتهتك نسيج الشعوب بين مكوناتها الأولى، وكأننا للتو نكتشف أن ثمة مسيحيين وصابئة وإسماعيليين وشيعة وزيدية وأباضية ودورزا وعلويين يكونون جزءا من روح وجسد العرب والمسلمين، وكأننا للتو نكتشف أن هناك أمازيغ ونوبة وكردا وفرسا يعتبرون عمودا من أعمدة الهوية العميقة لشعوب الشرق الأوسط.
لماذا نحن شعوب متوترة، مستعدة ومتحفزة للانقضاض، غير شاعرة بقيمة الأمن والاستقرار، ولا تستوعب معنى الوطن والهوية الجامعة؟
قال الشاعر العربي الجاهلي من قبل:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جُهّالهم سادوا
داعش. النصرة. القاعدة. جماعة الحوثي. حزب الله. الإخوان. حزب الدعوة. السرورية.. وغيرها، طفح جلدي يعبر عن حرارة وعلة تمور في الأحشاء وتظهر على الجلد بهيئة تكفير وقتل وتزمت وخداع ديني، وفوضى اجتماعية وسياسية تضعف من همة المجتمعات، وتوجه طاقتهم وانتباههم إلى المكان الخطأ، فيضعف أمر المسلمين، وتنخضد شوكتهم، شوكة العلم والتنمية والوحدة، التي هي مخازن القوة الحقيقية والدائمة.
في كلمة خادم الحرمين، ألم، وأمل، وعزم؛ ألم من واقع المسلمين، وأمل بإمكانية تغييره، وعزم على ذلك.
قال عبد الله بن عبد العزيز:
«أبنائي المواطنين.. أيها الإخوة المسلمون في كل مكان:
كم كنا نتمنّى أن تكون فرحة هذا العيد تامّة لولا ما يعتري النفس من الواقع المؤلم الذي تعيشه أُمّتُنا الإسلامية في الكثير من أقطارها نتيجة الصراعات في سبيل شعارات ونداءات وتحزُّباتٍ ما أنزل الله بها من سلطان، وما كان لها أن تكون لولا أن أعداء الإسلام والسلام لقوا الأُذن الصاغية لهم من فئة ضئيلة فأضلُّوهم السبيل، وأصبحوا أداةً طيّعةً في أيديهم».
وقال: «واجبنا جميعا الأخذ على أيدي القلة القليلة من الأغرار الذين ذهبوا ضحية أصحاب المطامع والأهواء المتدثرين بعباءة الدينِ والدينُ منهم براء. وإننا بحول الله وعونه سنقف سدّا منيعا في وجه الطغيان والإرهاب واستباحة الدماء (...) فهؤلاء أيها الإخوة أشدُّ خطرا وأعظم أثرا وأعمق من الأعداء الذين يتربصون بالأمة في العلن».
وقال أخيرا: «سعينا كما نسعى دائما إلى كل ما من شأنه أن يرفع راية الإسلام بعيدا عن الغلو والتطرف والدموية».
الرسائل الواضحات هي أنه يجب أن نقرّ بوجود أشرار، أو أغرار، من أبناء المسلمين يسعون لضرر المسلمين أكثر من الأعداء «العلنيين». ومع ذلك فإن العزم متجه لكسر شوكتهم، حماية للإسلام نفسه، الذي هو جوهر هوية الأمة، وسياسة السعودية الخارجية هي الذود عنه.
هذا هو قدر السعودية.. وقدرتها.
(الشرق الأوسط)