.. «أصدقاء» .. الشعب الفلسطيني!
محمد خروب
30-07-2014 05:04 AM
على دارج مصطلحات السنوات الثلاث «الفارطة»، التي ساد فيها مصطلح التضليل والتجديف والخداع.. الربيع العربي، باتت مفردة «اصدقاء» وبخاصة الشعب السوري الشقيق، ثابتة في المشهد العربي، حيث تابع الجمهور العربي المؤتمرات العاجلة وتلك الباذخة والاخرى المُثقلة بالكلمات والوعود التي يبذلها لابسو الاطقم الفاخرة، وربطات العنق الانيقة والاحذية اللامعة وخصوصاً «كتائب» الحرس والعسس الذين يتقافزون من سيارات الدفع الرباعي، يتحركون كالآلات المبرمجة وتضفي «نظاراتهم» السوداء هيبة على ملامحهم الشمعية، فضلاً عما «يوحون» لنا به من مسدساتهم التي تظهر من فتحات «الجاكيتات» السوداء وانتفاخات «الاقفية» والصدور.
ما علينا..
صدعوا رؤوسنا بمؤتمراتهم المتتالية، والسرعة التي تتم فيها الاستجابة لأي دعوة لانعقاد مؤتمر كهذا، لا همّ لدى مُموليه ان حمل أي رقم او تُكلّف أي مبلغ ما دام «المال» في خدمة «السياسة» ..
وما دامت الاخيرة تُطبخ في الغرف السوداء، التي تُوزّع المهام وتكتفي بالعناوين، ويُطلب الى «الدمى» ان تنهض بالمهمات القذرة، فيما يجني «السادة» العوائد على اشكال متعددة، قد تبدأ برطانة الصداقة والانتصار للديمقراطية والحرية وحقوق الانسان وتنتهي كما العادة بالهيمنة والاستتباع والارتهان لقرارات ومصالح السيد الغربي الابيض.
لم يَجْنِ السوريون في غالبيتهم الساحقة، شيئاً من مؤتمرات اصدقائهم المزعومين وما يزالون يدفعون ثمن الحرب الكونية، التي تُشن على بلدهم بهدف تدميره، دولة وكياناً وحضارة وموقعاً جيوسياسياً ودوراً نافذا، ولم يستفد من مؤتمرات كهذه، غير السماسرة والنكرات من الاصول السورية، ورهط من اصحاب اللحى والقتلة الجوالين والارهابيين الدوليين ومرتزقة من هنا وهناك، قامت الاجهزة الاستخبارية بعملية «غسيل» لتاريخهم الحافل بالفضائح والشرور والبلطجة ومنحتهم بطاقة VIP فباتوا نجوماً على الشاشات، ومقيمين في اروقة الفنادق الفخمة ومقاعد الدرجة الاولى في الطائرات..
هل ثمة اصدقاء للشعب الفلسطيني؟
قد يكون هذا الشعب المنكوب اكثر شعوب الارض «حيازة» لصداقات في قارات المعمورة الخمس، دول كبرى واخرى لا تُرى على الخريطة وثالثة «وسطى» في الامكانات والمساحة والتأثير وغيرها ممن يحتاج المرء الى اصواتهم في الامم المتحدة او المنظمات الاقليمية والدولية, لكن اللافت طوال سنوات التيه الفلسطيني المتمادية فصولاً مأساوية ومجازر وكوارث ومزيداً من اللجوء والتشريد والتهجير, تلك المفارقة العجيبة, كلما «زاد» عدد الاصدقاء وعلا صوت الاشقاء, تراجعت القضية الفلسطينية وابتعد الحلم الفلسطيني في تقرير المصير والعودة, على نحو بدت في لحظة ما وكأنها قيد «التصفية» وفقاً لحكمة رسمية عربية تقول أن الكف لا يقاوم المخرز، وأن الدم لا يمكن ان ينتصر على السيف, ما بالك ان السيف الصهيوني «كُلّي» النفوذ والتأثير والامكانات, مدعوماً من حلفاء كبار لا راد لكلمتهم ولا قدرة لأحد على مواجهتهم، ومَنْ يجرؤ او يفكر بالتمرد والخروج على قرار اسياد العالم لن تقوم له قائمة.
يغيب الاصدقاء دائماً ولا يحضر في المأساة الفلسطينية الا الوسطاء, يَبرعون في تفصيل المقترحات ويُسرفون في بذل الوعود وامتداح الواقعية وتزيين «نتائج» الحلول والمبادرات، ثم لا تلبث الحقائق ان تتكشف في شكل سريع فاذا بهم يجلسوننا على خازوق جديد, وتنازل تلو آخر، والادهى ان عدونا لا يكتفي، بل يريد اخراجنا من «فضاءاته» كلها من التاريخ والجغرافيا والحضور الديموغرافي, ولا يخجل الاصدقاء وخصوصاً الاشقاء اذ يحاولون تجميل قباحاتهم التي تظهر على الفور بكل بشاعة وصفاقة..
سبعة عقود تكاد تنقضي على اغتصاب فلسطين، ولم يتعب المُحتَلّون بل تعب اصحاب الحق من العرب والمسلمين (الا يقولون لنا ان فلسطين «وقف» اسلامي لا يجوز التفريط به أو التخلي عنه) وانبرى من بين صفوف الاشقاء والاصدقاء، من يدعو الى إبداء المرونة والاستفادة من عبر التاريخ ودروسه، وقبول «المعروض» قبل ان يتراجع «العارضون» ولا نجد لاحقاً ما نتفاوض عليه او يُعرض علينا, حتى اذا صدّقنا احبولاتهم وخرج من صفوفنا من يتحدث عن فوائد السلام وكارثية المقاومة – حتى المقاومة الشعبية السلمية – ويُبدي استعداداً للتوقيع والقبول.
قلب الاعداء الطاولة وفرضوا جدول اعمال جديداً، يبدأ دائماً بالاستيطان ويتكئ على الاساطير والخزعبلات التوراتية, ولا يتورع عن التلويح بالقوة لفرض حقائقه على الارض عبر الحروب والقصف والقتل, عندها يهرع «اصدقاء» الشعب الفلسطيني, كي يكملوا المهمة ويتولوا نيابة عن الاسرائيلي, بعرض هدنات انسانية ومبادرات غامضة، حمّالة اوجه وتفسيرات، لا تلبث ان تنتهي الى لا شيء، ولا يجد اهالي الشهداء والمنكوبين والثكالى واليتامى والجوعى سوى الكلام الذي يتقن الاشقاء رطانته ويختفي الاصدقاء في انتظار فصل دموي جديد.
تباً لهم.
(الرأي)