رمضان .. تصحيح مفاهيم (9) .. مفهوم العيد
بلال حسن التل
27-07-2014 05:27 AM
ساعات قليلة تفصلنا عن هلال شهر شوال، وانتقالنا من صيام رمضان إلى فرحة عيد الفطر.. وبين الاثنين، الصيام والعيد علاقة عضوية تكاملية لا انفكاك لها. ذلك ان المسلم يفرح بعيد الفطر لأن الله مكّنه من صيام شهر رمضان، أملاً بأن يكون من عتقاء الشهر الفضيل، وهذا هو المعنى الرئيس لعيد الفطر والهدف الأساس منه.
فلماذا يفرح غير الصائمين بالعيد؟ وما هي علاقتهم به؟ ومن قال إن الدين يخضع للمزاج فنأخذ منه ما يعجبنا وما يماشي هوانا ونترك منه غير ذلك؟ وهو ما ينطبق على الفئات التي لا تصوم رمضان، ثم تسارع إلى المشاركة في عيد الفطر. وهو سلوك يعكس تناقضًا غريبًا في سلوك الفرد الذي لا يصوم رمضان ثم يشارك بعيد الفطر، دون ان يفهم معناه ولا يشارك في شعائره الشرعية، مكتفيًا بالمظاهر الفارغة من المضامين الحقيقية للعيد المبنية على الفهم، فلا يذهب إلى صلاة العيد التي هي ذروة سنام العيد، والمدخل الحقيقي لسائر شعائره الأخرى، ثم بعد ذلك يشارك الناس بأكل الحلوى، وتبادل التهاني، وكأنه صام رمضان!.
لقد سن رسول الله عليه السلام العيد للصائمين ليعبروا عن فرحهم باجتياز صيام شهر رمضان، وفرحًا بأداء عباداته التي يكملونها بعبادة العيد، تبدأ بالصلاة التي لها مقدمات، خاصة أولها، أن يبدأ المسلم يومه بالاغتسال، ولبس أجمل ثيابه، وبالتطيّب بأجمل العطور، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث ارتدى عليه السلام في العيد بردة حمراء، كما كان له عليه السلام جبة خاصة للعيدين ولأيام الجمعة. وهذا مؤشر آخر على ان العيد وشعائره عبادة من العبادات الإسلامية يشترط معها شرط النظافة، التي يجب ان تتوفر في كل العبادات الإسلامية كما أشرنا غير مرة. وعلى المسلم ان يتناول إفطاره قبل الخروج لصلاة العيد فقد كان رسول الله يبكر في إفطار عيد الفطر، بينما كان يؤخر الإفطار في عيد الأضحى إلى ما بعد النحر ليأكل من لحم أضحيته. وتبكير رسول الله بالإفطار يوم عيد الفطر يعني ان الحياة تعود إلى طبيعتها المعتادة في غير رمضان. فلكل عبادة في الإسلام مغازيها وقبل ذلك كله مواقيتها الدقيقة. وقد أشرنا في مقال سابق إلى مغازي.. التوقيت في العبادات الإسلامية.
بعد ان يتناول المسلم إفطاره، يخرج إلى مصلى العيد وهو يكبر على امتداد الطريق الذي يفصل بين منزله وبين المصلى، علمًا بأن السنة النبوية أعطت الأفضلية للساحات العامة خارج المدينة لتقام بها صلاة العيد، وقد تكون الحكمة من ذلك ان يجتمع أكبر عدد من المسلمين في مكان واحد، يتبادلون به التهاني بفوزهم بأداء عبادة الصيام. ويعززون تكاتفهم وتكافلهم الاجتماعي من خلال شعائر العيد كما هي الحال في سائر العبادات الإسلامية من هنا كان وجوب خروج النساء إلى مصليات العيد والمشاركة في شعائر صلاته، ليكون المجتمع بكل مكوناته مشاركًا في استكمال معاني التكافل الاجتماعي الذي يرسخها شهر رمضان. وهو مفهوم يجب ان ينتبه له المسلم وهو يؤدي كل شعائر العيد وهي كثيرة منها ان يذهب إلى مصلى العيد من طريق ويعود إلى بيته من غير الطريق الذي سلكه في ذهابه إلى المصلى، كما كان يفعل رسول الله ولعل في ذلك حكمة ان يجتمع بأكبر عدد من الناس ليتبادل معهم تهاني العيد، وليطمئن على أحوالهم.. مما يوثق حالة التكافل الاجتماعي بين الناس، خاصة وان من السنة ان يذهب المرء إلى مصلى العيد ماشيًا على قدميه كما كان يفعل رسول الله، ما لم يكن في الأمر مشقة كبيرة على المرء.
بعد انتهاء المسلم من صلاة العيد (وهي أهم ركن من أركان العيد) يستحب له ان يمضي سحابة يومه في التواصل مع أرحامه ومعارفه، يتبادل معهم التهاني، وقد كان المسلمون يقول الواحد منهم إذا لقي الآخر يوم العيد «تقبل الله منا ومنكم» فما بال أقوام منا يستغلون العيد للفرار من أهلهم ومعارفهم، ومن دفء الأسرة إلى الفنادق البعيدة عن الأهل والمعارف، في تشويه لمفاهيم العيد ومغازيه التي صار من الضروري تصحيحها لنرتقي إلى مستوى ديننا؟.. وكل عام وأنتم بخير.
(الرأي)