مقتل إسرائيل ،يكمن في مواجهة قوى غير رسمية ،بمعنى غير مرتبطة بها ،تنسحب أمامها دون إطلاق نار وتسلمها أراض جديدة ، هذا ما لمسناها على أرض الواقع ،وملف المواجهات محفوظ لمن أراد أن يتنور أكثر ،بدءا من المواجهات مع الفدائيين الفلسطينيين إبان مرحلة العز الذهبي، ومعركة الكرامة التي إلتحم فيها الجيش الأردني مع الفدائيين الفلسطينيين ،والمواجهات مع المقاومة اللبنانية قبل أن يتم توريطها في الصراع الدموي الدائر في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات،وها هوجيشها الذي يقهر بإرادة، قابع خلف حدود غزة ينزف دما وخوفا وجبنا وهلعا .
مختصر القول ومجمله أن هذه المواجهة غير المتكافئة ،تشكل فرصة ذهبية للقضاء على إسرائيل ،أو تحجيمها كمقدمة لإنهائها،وبالتالي فإن على المعنيين ألا يخوضوا في التدئهة ووقف إطلاق النار ،لأن إسرائيل هي التي تعاني من الورطة ،بينما أهالي غزة الذين شرفهم الله بتاج العز ،فلا يريدون غير الصمود والمتابعة ،ويجب الإعتراف بهم أنهم هم الأبطال الحقيقيون ،وأن على الجميع الإنصات لصوتهم ،فطوبى لهم ،وقد فتحت لهم أبواب الجنة في رمضان،بينما نحن نرزح في واقعنا الحالي .
إنهم يألمون كما تألمون ،وترجون من الله ما لايرجون ،فلم العجلة يا قادة الخارج الذين أنهككم الظهور الإعلامي ،والتصريحات والأضواء والسجاد الأحمر هنا وهناك؟
صحيح أن الدمار في غزة كبير،والدم يسيل بدون ضوابط أخلاقية ،لكن السؤال :منذ متى كان ليهود بحر الخزر أخلاق؟ ومع ذلك فإن الخسائر الإسرائيلية أكبر وأكثر وأشد تأثيرا من الخسائر في غزة،فنحن مسلمون وفي عقيدتنا أن الموت حق ،وطوبى لمن مات في رمضان ،فما بالك لو كان شهيدا؟إنه النعيم في الفردوس الأعلى،والأهم من ذلك أنه مات على يد الإحتلال.
خسائر الإحتلال كبيرة ومتنوعة مادية ومعنوية وسياسية وإقتصادية ،وإسرائيل رغم الدعم الأمريكي ،لا تتحمل مثل هكذا خسئر،فعلى الصعيد الإقتصادي فإن خسائرها الإقتصادية تبلغ 5.5 مليار دولار أمريكي،وها هو القطاع السياحي يعاني كثيرا فالعملية في بداياتها ،كما أن الخسائر البشرية في صفوف الجيش وحسب ما أعلن الجيش نفسه يزيد على الثلاثين جنديا وضابطا ،وبحسب معرفتنا بنظريات الإحتلال فإنه يجب أن نضرب هذا الرقم في عشرة على الأقل ،وهذا بشير خير ،ناهيك عن الجرحى ،كل ذلك ناجم عن الهجوم البري الذي لم يتعدى الحدود ،ولا نعرف شيئا عن خسائر الصواريخ،إلا أنني واثق أننا سنعرف الأرقام الحقيقية عن طريق الجنود الإسرائيليين أنفسهم وقد حاولوا مؤخرا وإعتقل بعضهم.
أما الخسائر الأنكى فهي الموقف الدولي الشعبي على الأقل ،والذي بدأ يتنامى بسبب حماقات إسرائيل يمينها ويسارها ووسطها ،فهم مختلفون فيما بينهم ،وخلافاتهم أشد وأنكى من خلافات العرب الداخلية الهبلة ، فخلافات القادة الإسرائيليين مبرمجة ،وسنرى أن حارس البارات السابق ليبرمان سيكحش نتنياهو ،كما فعل نتنياهو مع أولميرت على خلفية هجوميه الفاشلين على جنوب لبنان وغزة 2006و2008.
صحيح أن الذين يتشدقون بالحديث عن المقاومة في الخارج وأعنى بذلك حزب الله ،تركوا غزة وحيدة تقاتل أحمق وأشرس إحتلال،لكن غزة ما تزال صامدة ،ولو أن حزب الله فتح جبهة لبنان وأضاء السماء بصواريخه ،لتغير الوضع 180 درجة.
على كل حال فإن غزة تموت واقفة وهي تنزف دما حرا وزكيا ،وقد تركت للآخرين بمحض إختيارهم ،أن يحيوا حياة ذل ومهانة ،لأنهم يمتلكون القوة وإستخدموها في غير مكانها ،وأمطروا غزة بالتصريحات النارية التي لا تشعل حتى عود ثقاب.
العالم بدأ يتململ إذ قال أحد النواب البريطانيين أنه لو كان يعيش في غزة لأطلق الصواريخ على إسرائيل ،وأن رئيس المعارضة البريطانية يقول أن أحدا لا يستطيع الدفاع عن قيام إسرائيل بقتل أطفال غزة ،ناهيك عن قيام كل من تشيلي والإكوادور بقطع العلاقات مع إسرائيل ،كما أن البرازيل سحبت سفيرها من تل أبيب إحتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة ،في الوقت الذي نجد إعلاما عربيا غارقا في المهانة يمتدح نتنياهو والجيش الإسرائيلي.
وليس غريبا على أحد الإعلاميين المرئيين في مصر السيسي أن يمتدح نتنياهو ويرفع قبته للجيش الإسرائيلي ،فخاله كان عميلا قديما لإسرائيل وقد أعدم سابقا في عهد السادات ،و"ثلثين الولد العكش لخاله."
حتى الطيران العالمي قام بخطوة غير متوقعة ،وأوقف رحلاته إلى إسرائيل ومن ضمنه الطيران الأمريكي لكن نتنياهو توسل ساعي البريد الأمريكي وزير الخارجية السيناتور جون كيري الذي أمر بإعادة الطيران الأمريكي .
الأمر المهم الآخر هو أن السلطة الفلسطينية أنجزت الكثير بطرقها باب محكمة الجنايات الدولية ورفعها شكوى رسمية ضد جرائم إسرائيل في غزة ،وهذا يفتح الباب لجهات أخرى أن تعيد فتح ملف المحاكمات ضد قادة إسرائيل الأحياء منهم والأموات ،فالاعلم ضاق ذرعا بإسرائيل التي باتت حليفة لأنظمة عربية وظفتها لتنفيذ مقاولات مدفوعة الثمن.
غزة الصمود والتضحية والفداء لا تريد التبرع لها بالصدقات ،فهي لا تعاني من كارثة طبيعية أو تواجه مرضا متفشيا ،بل هي تقاتل نيابة عن أمتين يعدان ملياري كائن حي ،أهملوا واجباتهم الدينية والدنيوية، كما أن غزة لا تريد مسيرات عشرية تلوث الأثير بصراخات فارغة مكررة لا معنى :"بالروح بالدم نفديك يا ......." وكل ما تريده غزة هو النفير العام لتطهير كل فلسطين من دنس يهود بحر الخزر.