اربيحات يكتب:المنسف .. الصديق وقت الضيق
د. صبري ربيحات
24-07-2014 07:11 PM
اذا اردت ان توهم الناس بانك شخصية محبوبة وشعبوية فجد من يدعوك الى مناسبات في المناطق الشعبية والاطراف..
اذا اردت ان تكتسب الجنسية الثقافية الاردنية وتعيد تأهيل نفسك فما عليك الا ان تستجيب لكل دعوات ابو كساب او تخلق "ابو كساب" خاصاً بك.. ففي الاردن كما في الحزب الشيوعي هناك طريق للوصول.. لكنه المنسف..
فهو مؤسستنا الاردنية الرائدة.. رمز الهوية، وحلال المشاكل، والناطق الرسمي، ومعهد تدريب الكفاءات... ونادي اعادة تاهيل من لم يفلحوا في اي شئ..
تتأسس حوله جماعات الضغط.. وتعقد الصفقات.. ويتحدث نيابة عن من لا يجيد الحديث.. حبيب الرؤساء... يحسم الانتخابات.. ويشكل الرأي العام.. يقرب البعيد ويبعد القريب.. يجمع الاحبة.. لوحده يكفي.. ولا تحتاج لقضية فهو القضية.. انه ليس مجرد طبق من لحم ورز وجميد.. ففيه كل اطياف المجتمع ويشترك الجميع في دعمه وانتاجه ونشره.. في مؤسساتنا الاعلامية نروج للارز وكأننا المنتج الاول له.. الجميد كركي، السمن بلقاوي، الشراك بلدي، واللحم احيانا... لكن الطباخين في كل الحالات رجال.. امتد شرقا وغربا... شمالا وجنوبا.. من جبري الشامي .. الى القدس وعطا علي غربا... الى الريالات الاشهر سلطيا.. واليوم لكل حارة طباخ.. حتى الكسيح دخل من باب الحلويات لينخرط في المجهود الوطني لدعم المنسف عنوان عروبتنا..
جميد الكسيح السائل... ادخل المنتج الاردني ساحة العولمة.....وفك عنه عقال المحلية التي فرضها
عليه الجميد الجميد "غير السائل" لا ادري كيف يسمى السائل جميدا...
قبل اكثر من ثلاثين عاما.. كنا في الولايات المتحدة طلابا... وقد تعرفنا على شاب من عائلة اردنية معروفة يسكن في مدينة تبعد عشرات الاميال عن لوس انجيلوس حيث كان العديد من الطلبة الاردنيين.. وكان يصر الرجل الطيب على جمع معظم الذين يعرفهم في شقته مرة او اكثر في الشهر... ليذكي في نفوسنا ووجداننا طقوس المنسف الذي كان قد جهزه بنفسه بحرفية عالية.. كنا نجتمع عشرة اشخاص او اكثر في كل مرة وكلنا لهفة للقاء واطفاء بعض نار الاشتياق للوطن. ولكن المدهش اننا عندما نلتقي نمضي ساعات لا نقول شئ له معنى او قيمة غير الحديث في اشياء سخيفة و مشاهدات عابرة..و انطباعات لدرجة اننا امضينا سنوات متجاورين ومجتمعين ولا احد منا يعرف الاخر الا على مستوى الانطباعات التي تشكلت من القصص التي رواها كل منا خلال احيائنا لطقوس المنسف....
واستطيع ان اجزم اننا امضينا كل هذه السنوات ولا احد منا يعرف الاخر ولا معزبنا الدائم غير صوته الدافئ وهو يدعونا للقاء عبر الهاتف....و ابتساماته وترحابه وهو يستقبلنا في بيته... وعبارته الاهم تفضلوا على الميسور وهو يقدم المنسف...
لم يكن يشارك في اي حديث....ولم اكن اعرف مواقفه من اي قضية محلية او عالمية......كان يسرف في الترحيب لدرجة تحاصرك وتقلقك بعد ان تستنفذ كل عبارات الرد التي تعرفها.....
قبل اسابيع التقيته في مناسبة بعد انقطاع لثلاثة عقود...لا شئ مختلف كأننا في كالفورنيا نفس العبارات ونفس الوقع....ولا راي حول كل القضايا التي طرحت على مدار الساعات الخمس التي كان فيها اللقاء...ابو عرب يمثل نمط الشخصية الاردنية بكل تفصيلاتها....والتي تتمحور حول المنسف لمن استطاع اليه سبيلا ...وبدائله لمن لا يستطيع......
احيانا اشعر اننا امة وجدت لتاكل....ما ان تضع يدك في يد شخص للسلام حتى وان لم يكن هناك معرفة او اي شئ مشترك حتى يبدا حوار وشد ومد وجزر وكله حول اصرار من بادلته التحية بان يولم على شرفك....بدعوتك لفنجان قهوة في بيته......كل الناس يتعرضون لهذا الموقف يو ميا البعض يقبل ويدخل في سلسلة لا تنتهي من الدعوات....
بعض الاشخاص النافذين يسيئون فهم هذا التقليد ويعتقدون او يحبوا الاعتقاد بان ذلك تعبير عن فيض الحب الذي يكمله الداعي للمدعو....والحقيقة غير ذلك...اظن ان الداعي يحاول تعزيز نفوذه المحلى واستخدام الدعوة لايهام من حوله بانه واصل او نافذ احيانا...و لتوسيع دائرة معارفه بما يسهل اعماله المشروعة او غير المشروعة.....في بعض الاحيان يرسم صاحب الدعوة مخططا او خطة للوصول والتسلق تبدأ بالدعوة وعنوانها المنسف.....
البعض يستعرض مستوى نفوذه وثرائه وشعبيته ودوائر معارفه من خلال اعداد المدعويين...ومراكزهم....واعداد المناسف المقدمة لهم.......
بالرغم من استمرار تنامي شعبية المنسف وتطور تقنيات اعداده وتقديمه وتعدد المؤسسات المتخصصة بخدماته وانتشارها.....الا ان وظائفه بقيت كما هي فالمنسف والقهوة كفيلان بالتآمر لاحداث كل ما لا تتمكن القوانين والتعليمات والجدارة والاستحقاق.....
اذا اردت مقعدا او مكرمة ما عليك الا ان تستعين بالمناسف...واذا اردت ان تصبح مفوضا او نائبا مستقبليا او تنقل الى موقع افضل...او تبحث عن تمويل او تشق طريق او توصل كهرباء او تحصل على عطاء.اوتعين ملحقا او تتقرب لمتنفذ محتمل او قائم.. او تنجح في انتخابات او تتآمر على منافس او تغتال شخص لا تحب.. او تسكت كاتبا او تستميل كتابا او تحصل على قرض فما عليك الا ان تستعين بالصديق الدائم الذي يحبه الجميع ولا ترد دعوته......