عمون- كيف تقرأ صدى الشارع مما يجري في غزة.. سألتني صحفية صديقة تسعى لتحليل المشهد الأردني جراء العدوان الإسرائيلي المفتوح ضد غزة..؟! هل نحن مشغولون في أعباء رمضان إلى هذا الحد، وهل أخذتنا الدنيا والأسعار والمخالفات وحسابات الرواتب المبكرة وتكييفها لمصاريف العيد وانتظار نتائج التوجيهي على أحر من الجمر.. حتى كدنا لا نعرف حقيقة مشاعرنا تجاه مجزرة تجري ضد اخوة لنا في غزة..؟!
أتُرانا أدمنا النحيب، والدعاء على يد الإسرائيليين بالكسر، وتحليل المشهد على أساس أن ذلك هو العادي والطبيعي، وأنه لم يكن بالإمكان أفضل مما نحن عليه وأحسن مما كان.. أم أننا (تَمسحنا) حتى أصبحت فلسطين اسماً نتندر به حين نُشبهها بمعاملة حكومية متعثرة أو معادلة حسابية يصعب حلها.. "والله لو انها قضية فلسطين لانحلت"!!
الاجابة: إننا محبطون ومثبطو الهمة والعزيمة.. ونستشعر انكساراً يتجدد داخلنا.. نقطة وسطر جديد؟؟
تذوقنا الآن مرارة ما صنعته أيدينا حين انتخبنا ممثلين لنا في البرلمان عاجزين حتى عن تمثيل أنفسهم، فكيف إن كنا نأمل أن نتكئ بوجعنا عليهم لنفكر معاً ما الذي يمكننا أن نفعله تجاه سحق أسر وعائلات وأحياء كاملة في الشجاعية وخان يونس وبيت لاهيا.. لنكتشف مرة واحدة أننا نتكئ بكل ثقلنا على الهواء وفيه، حتى سقطنا..
أسأل نفسي وأنا أجيب: ما العمل، مذكرات نيابية للتبرع بمائة دينار لكل عضو، لا تنفع، وعلى كل الأحوال فقد قُُطعَت قبل أن ترى طريقها للنور.. صراخٌ وتوعدٌ ومطالب تعجيزية تزيد ما نحن فيه من أزمات اللجوء السوري والتوتر العراقي وتخبط الإقليم والاقتصاد المتوعك وانقطاع الغاز المصري والنفط العراقي و(الناشد) السوري..؟! كلها محاولات لا تجدي دون إرادة حقيقية تكشف ما يجري على الأرض.. تتسق مع ما تطرحه بعض الصحف وقليل من وسائل الإعلام الأردنية المتقدمة خطوات والمعبرة بجرأة وموضوعية ومهنية عن مجريات المجازر وتفاصيلها وتقرأ في المشهد وتوابع الزلزال.
واقع الحال أننا كلنا متأخرون أزماناً عما يقدمه أطفالٌ وشباب فلسطين أمام كاميرات الأخبار العالمية المتقاعسة والمتحيزة، فيما شبابنا يقضي جل أوقاته الرمضانية على (التشات والشير واللايك والبوست والكومينت) لصور وأفلام وحوارات في الحب والغرام والنكات..!!
مع هذا نحن لا شيء إذا ما نظرنا إلى حالة الجهل المطبق الذي يمارسه شباب عرب على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عربية كبيرة، ترى في العدوان الإسرائيلي فعلاً مبرراً أمام تجاوزات ومغامرات يدفع ثمنها المدنيون.. بعض الإعلاميين المصريين المغيبين، طالبوا كما اوردت مذيعة (متفتحة) في تحليلاتها السياسية، بعدم الاكتفاء بالضربة الجوية "والدخول للقطاع لإعادة الأمور وترتيبها".. وآخرون مارسوا تجييشاً غير مفهوم وغير مبرر كمطلب إحدى الفنانات بعدم إدخال الجرحى إلى الأراضي المصرية بداعي ما فعلته حماس تجاه مصر..!!
إعلام لا يعلم.. وشهود لم يروا شيئاً على قاعدة عادل إمام.. وعجزٌ عن قراءة المشهد برمته يخلط الأوراق ويتناسى أن من يدفع الثمن هم مدنيون تعاطفت وفود نرويجية ودنماركية وأميركية وبكت وأسعفت وقبلت جباه شهداء وتفوقت في تحليلها للواقع الإنساني الصعب الذي تمر به كامل مدن وبلدان القطاع. ثمة مفارقة تاريخية لم تشهدها الحكاية من قبل، يرسمها عربٌ تغنوا وحكوا في الوطن المحتل ونَظَّروا في التطبيع وسافروا في وفود لمؤتمرات حول القضية وكتبوا مقالات في الحقوق الوطنية المشروعة على التراب الوطني.. في أكثر من عاصمة عربية وعبر أكثر من قناة فضائية وعلى عشرات المنابر..
في غزة ولها.. الكثير مما يمكننا أن نفعله بعيداً عن هذا التوعك الإعلامي والرسمي العربي، مستشفياتنا ووفودنا الحقيقية للعالم، شبابنا، وسفراؤنا، مدمنو مواقع التواصل والنت، جالياتنا، كتابنا، تلفزيوننا.. كل واحد فينا يمكنه أن يفعل شيئاً لغزة.
"الغد"