عبد الهادي المجالي .. بين سيفين
24-07-2014 05:41 AM
عمون - خاص - محمد الصالح - أمضى سني حياته متنقلاً بين سيفين، سيف العسكرية وسيف السياسة، لا كلّ ولا ملّ..
في كلا الحالين ترك عبد الهادي المجالي أثره وعمّق بصمته، تميّز عسكرياً كما تميّز سياسياً، وتنقل بينهما بسلاسة وانسيابية عزّ نظيرها.
إن حاورته عسكريا أعطاك من التاريخ ما يشفى الغليل، وذهب بك إلى المستقبل برأي ورؤية.. وإن حاورته سياسياً أعطاك من التاريخ ما يثبت فيه لك رأيه ورؤيته، ووضع بين يديك ما يجب أن يكون عليه المستقبل..
تنقل الرجل بين السيفين رئيساً لأركان الجيش ومن ثم سفيراً في واشنطن وعاد منها مديراً للأمن العام.
وبين العسكرية والسياسة تجده مستمعاً لكل رأي، لا يفرض عليك تفكيره، ولا يقصي رأيك في الزاوية، بل يناقشك ويحاورك ويجادلك أحيانا، إن تمكن من إقناعك مضى، وإن تمكنت من إقناعه راكم في وعيه وعقله ما ألقيت عليه من فكر ورأي..
هو لا ينكر أن الجدل يحيطه، لكنه لم يصنعه ولم يسعَ إليه، وجده يحيطه في كل مرحلة وفي كل شأن، لكن الجدل الذي يحيطه ما بدّل فيه قناعة ولا غيّر في وعيه موقفاً، بقي ينافح عن رأيه ورؤيته، وعن فكره ورأيه، ولا يعوقه عائق في أن يجوب الأرجاء للحوار واللقاء، وحتى مع الخصوم واصل، قدر استطاعته، ردم الهوة وتقليص الفجوة لإيمانه أن الاختلاف متمايز عن الخلاف.
مع ذلك بقي خصومه يناصبونه الخصومة، ويسعون في النحت من قدرته على المضي إلى الأمام، فلا هم أقعدوه ولا العارض المرضي الذي ألمّ به أقعده، تجاوزهما وواصل طريقه، يفكر في البناء على ما أنجز إن لتاريخه وإن لوطنه الذي تراه منشغلاً به ولا يراوح تفكيره ولو على حساب شأنه الخاص.
جابه الخصوم؛ والنقد؛ والظلم، وتحمّل الكثير.. جابه الخصوم بالمنطق، والنقد بالموضوعية، والظلم بالحجة، ترك لعقل الآخر أن يقيم وينظر في نقده وظلمه، ورهانه أن الزمن والحقيقة وحدهما يتكفلان بالصواب ودحض النقد والظلم، ولم يتركهما ينخران في مساره، بل ثابر وناضل وواصل طريقه غير آبهٍ بالقيل والقال والأسئلة المتناثرة.
ربما لشهادة الهندسة التي يحملها نصيبٌ في تميزه، فهي أول التأسيس، فكانت هندسة مختلفة، وظفها أكثر ما وظفها في تصميم تميزه العسكري وريادته السياسية، فتوليه رئاسة الأركان (1979) ومن ثم لاحقاً إدارة الأمن العام (1985- 1989) تركا فيه مثلما ترك فيهما الانضباط والتنظيم والدقة والصرامة في التخطيط السليم لإيمانه أن النجاح يحتاج إلى خطة منسقة ومنضبطة، وبدائلها حاضرة جاهزة فهو لا يحب أن يكون في مواجهة الفراغ وغياب الرؤية.
تلك في الجندية، وهي كذلك في السياسية من حالة السفير (في واشنطن) (1981) إلى حالة الوزارة (وزيراً للأشغال 1996) إلى النيابة منذ عودتها في العام (1989) وخلالها العضوية في سلسلة من مجالس الأعيان، لكن التركز كله كان في "مجلس النواب"، فليس سهلاً أن تكون رئيسا لمجلس النواب لتسع دورات بتسع سنوات، لو لم يكن لديك قدرات استثنائية وحكمة ومواصفات رجل الدولة، وبخاصة أن مجلس فيه من المزاجيات وتبدل المسارات ما يفشل اعتى الشخصيات.
ونجاحه في النيابية امتد إلى تميز الأداء في رئاسة الاتحاد البرلماني العربي (2006-2008)، وكذلك الحال في البرلمان الدولي والأورمتوسطي.
وطوال مساره السياسي، قرن إيمانه بالحزبيّة والتحزّب بالعمل، فأسس حزب العهد (1992) ووسعه بدمج سلسلة من الأحزاب لإنتاج الحزب الوطني الدستوري بعد خمس سنوات على تأسيس "العهد"..
ورغم أن التجربة أصابها ما أصابها من خلل وعلل حاول قدر الإمكان تجاوز ما أصابها، لكن اليأس لم يتسلل إلى شعوره السياسي، فعاد الكرَّة مرة أخرى منذ سنوات وإلى الآن في تأسيس حزب التيار الوطني، وهو يمضي به برغم العراقيل التي وضعت وتوضع في طريقه.
ما يميّز مسار المجالي الحزبي أنه ربط ربطاً عضوياً تجاربه بالبرنامج، وفصّل فيه أكثر ما فصّل في برنامج قائمة "التيار الوطني"، وقدم رؤية تحمل حلولا منطقية تعالج مختلف الشؤون، أبرزها مشاكل التعليم والصحة والزراعة والفقر والبطالة.. وغيرها، وكان على الدوام يأمل أن يجد البرنامج طريقه إن على يديه أو على يد حكومات تتبناه.
وفي كل خطبه ومحاضراته السياسية كان البرنامج الأمل حاضرا، ينفخ فيه الروح، ويسلط عليه الضوء، لقناعة ويقين أن الإصلاح بلا قيمة إن بقي تنظيراً لا حَّظ له من الواقع، فتميز خطابه السياسي بالوضوح والاستقلالية والقناعات، دون حساب لقبول هذا الطرف أو رفض ذلك الطرف له.. أراد أن يقول كلمته ويمشي، مؤمناً بأن التاريخ لا يرحم من كان لديه رأي في شدة ولم يقله..
محصلة القول؛ للمجالي شخصية "كريزماتية" يتفق عليها الخصوم قبل الحلفاء..