المواقع الالكترونية .. حلم التغيير الاعلامي
سامح المحاريق
11-03-2008 02:00 AM
لا يمكن الحصول على توقيت أفضل لبداية العولمة، من اللحظة التي تدافع فيها أبناء شطري ألمانيا إلى جدار برلين لتقويضه ماديا ومعنويا.لقد انتهت الحرب الباردة عمليا في ذلك اليوم- التاسع من تشرين ثاني -1989 ،ليبدأ العالم كله حقبة جديدة من التاريخ واستبدلت منصات الصواريخ الفضائية العملاقة لبرنامج حرب النجوم الاستراتيجي، بمئات الملايين من أجهزة الكمبيوتر المتصلة بشبكة عملاقة من الكيبلات والأقمار الصناعية، ليتغير لون الخوف والحرف - ورائحته ومذاقه.
كان العالم متسعا بصورة غير مبررة قبل ذلك اليوم فالأسوار والخنادق والأحلاف العسكرية وسحب الفطر النووي تغلف الحدود وتقسم المدن؛ لذلك كانت أول وعود العولمة تحويل العالم إلى قرية صغيرة .
كانت حرب الخليج الثانية هي المحطة الأولى فلأول مرة تتمكن البشرية من مشاهدة الحرب على الهواء مباشرة، وأصبحت متابعة خبر يحدث في البيرو المطلة على المحيط الهادي أو ليبيريا في طرف أفريقيا يصل المتلقي بسرعة أكبر من تلك التي يستغرقها وصول أخبار وقعت في الشارع الذي يسكن فيه.
العولمة استطاعت أن تحقق نجاحا ساحقا في السنوات الأولى، بإثارتها لدهشة الجماهير العريضة حول العالم، وبعد أن كان فريق ريال مدريد فريقا محليا أو أوروبيا على أقصى تقدير أصبح فريقا عالميا له جمهوره المتحمس في كل قرية ومدينة في قارات العالم الخمس، يمكن للمشاة في وسط المدينة في عمان أن يسمعوا صيحات المشجعين في المقاهي مع كل هدف لهذا الفريق وكأنه فريق محلي له أنصاره المتحمسون.
هذه الموجة انحسرت مع بداية الألفية الجديدة ، فالتساؤل أصبح ملحا عن جدوى متابعة الجمهور لمحاكمة لاعب كرة القدم الأمريكية سيمبسون بينما يغرق الشارع الذي يسكن فيه بمياه الأمطار، أو قطع النشرة الإخبارية لإلقاء الضوء مغامرات باريس هيلتون العاطفية في حين ترتفع أسعار المواد التموينية في السوبر ماركت المجاور.
العولمة المفرطة؛ دفعت العالم إلى تبني المحلية في مواجهة ذلك التنميط الذي مارسته وسائل الإعلام، فالولايات المتحدة الأمريكية التي دشنت شبكة cnn السي إن إن، أول محطة تلفزيونية عابرة للقوميات تحتفظ بمئات من المحطات المحلية التي تناقش موضوعات تهم فقط سكان ولاية ويسكنسن بينما لا تعني شيئا بالمطلق لجارتها ميتشيغان، كما تضم صحفا تهتم بأخبار مدينة ديترويت ولا تعني بمدينة لانسنغ في نفس الولاية، لذلك لم يكن من الممكن الاستمرار بالاحتفاظ بوتيرة أمركة العالم بينما أمريكا نفسها ليست نمطية بالصورة التي تسعى إلى تحقيقها.
في البداية كان احتكار تقنية التعامل مع الانترنت وبناء المواقع يمثل عائقا أمام المنافسة وأصبح العالم يدور في فلك مجموعة صغيرة من المواقع الإلكترونية .
في بداية الألفية انطلقت مجموعة من المواقع المحلية في العديد من الدول التي دفعتها مسألة الهوية الوطنية للبحث عن إجابات سريعة لتساؤلات العولمة مثل الهند والصين واليابان ومصر التي أنشأت أول موقع يهتم حصرا بنبض الشارع المصري في سنة 1999 وحمل اسم مصراويwww.masrawy.com ليكون موقعا مضاهيا لموقع ياهو بإمكانيات أقل كثيرا بالتأكيد.
المواقع الإخبارية لم تكن بنفس الحساسية، كالمواقع الاجتماعية فالصحافة الإلكترونية العربية لم تتطور بنفس الوتيرة وكانت في معظم الأحيان تعيد إنتاج الصحف الورقية في نسخة الكترونية(...) أو تهرب إلى الفضاء الالكتروني بمساحة الحرية التي يتيحها.
حتى الصحافة المحلية، لم تكن سؤالا كبيرا في الإعلام العربي فطبيعة الشعوب العربية وتواصلها العاطفي والمعنوي يجعلان من خبر يحدث في الدار البيضاء أو الجزائر خبرا مؤثرا للغاية في عمان، لذلك حالف النجاح المواقع التي تقدم العالم العربي كحزمة إعلامية واحدة مثل إيلاف و البوابة.
مع ظهور المدونات الإلكترونية، أصبحت المحلية هي السمة البارزة للإعلام المعاصر في سباحتة ضد إعلام التنميط الأمريكي الكوني، ولم تكن هذه الحالة التي يمكن أن تنطبق على الأردن لذلك ظهرت بالتوازي مع ثورة المدونات ظاهرة المواقع الإخبارية المحلية، لتبدأ بموقع عمونwww.ammonnews.com ويليه في التراتب الزمني موقعي سرايا www.sarayanews.com ورم www.rumonline.net وأخيرا موقعي مراياwww.marayanews.com وخبرني www.khaberni.com ومواقع ومنتديات كثيرة لم تكن تحمل من المهنية بقدر ما تحمل من الحماس.
موقعان يصدران من ثنائيين إعلاميين أردنيين وهما عمون الذي يصدر من أحد مقاهي الرابية ويمثل ملتقى للإعلاميين الأردنيين والثاني موقع مرايا من أحد مقاهي شارع الجامعة الذي يستضيف أيضا حول طاولته مجموعة من الإعلاميين الأردنيين، والطريف في أن الضيوف يتبادلون مواقعهم بين الموقعين أو المؤسستين الصغيرتين دونما حساسيات، وموقعين آخرين يتبعان لصحف أردنية ولكنهما يحتفظان بهوية مستقلة للموقع المحلي، وأخيرا موقع خبرني الذي يضم مجموعة أكبر من شباب الإعلاميين الأردنيين.
الخبر المحلي، الذي ينتقل من أحوال الطقس إلى حوادث المرور إلى أسعار المواد الغذائية وصولا إلى مشاكل الجامعات وأخبار الأحزاب السياسية وغير ذلك من الشؤون المحلية، التي ربما لا تهم سوى سكان مدينة أو محافظة معينة في الأردن، الاهتمام بالخبر المحلي أعاد الاعتبار للصحافة المحلية التي تتطلب بالتأكيد قدرة أكبر على التعامل مع الخبر ويصقل بصورة متواصلة المهارات الصحفية للقائمين عليه؛ مما يبشر بظهور جيل جديد من الإعلاميين يمكنه أن يتحول من المحلية كحالة استهلاكية داخلية إلى حالة تصديرية تنقل الخبر المحلي إلى آفاق عالمية.
هذا الحراك الممتد في عالم يمعن في محليته يمكن أن يحد من موجات الأمركة المتواصلة ،على ضفاف المعرفة العالمية مما يجعلها على الدوام أكثر قدرة على التنوع والإبداع بالتالي، وإذا كانت تجربة المدونات الإلكترونية والمواقع المحلية أثبتت وجودها في السنوات الماضية فإنها قادرة على إثبات تميزها في السنوات القادمة لتدشين صراع معرفي بارد وربما جليدي.(الراي).