أنصح أي كاتب أو صحفي عربي ممن يقرأون ما يكتبه بعض اليهود أمثال جدعون ليفي وعميرة هاس وشلومو رالخ وأفنيري وميلان بابيه أن يقارن ما يقوله بما يقوله هؤلاء عن الدم النازف في غزة، فإذا كان ما يقوله الأدنى في منسوب الانفعال والغضب والموقف الأخلاقي أن يذهب إلى أقرب مختبر لفحص حمضه النووي، فهو قد يكون أشبه بزياد ابن أبيه.. أو بفلان ابن أمه، وقد يكتشف أنه يحمل اسماً زوراً من هذه الأبجدية، أو لونا تسلل إليه من مكان بعيد، فليس من المعقول أن يكتب هؤلاء عن إسرائيل ما لا يستطيع ابن عم الضحية أو ابن أختها أن يكتبه، وأنا شخصياً أشعر بالخجل مما أكتب أحياناً قياساً لما يكتبه بعض هؤلاء رغم أنهم يعيشون داخل الثكنة أو المستوطنة الكبرى المسماة إسرائيل..
وليس عسيراً على القارئ العربي بالفطرة والحصافة أن يضبط أي ابن حرام متلبساً بالتواطؤ فسلالة العلقمي في هذه الأرض لم تنقرض، لأن الغزاة لم ينقرضوا والمطلوب من أحدنا وهو يغمض عينيه ويتخيل حفيده يذبح أو يحرق حياً أن يكتب بحبر بارد، وأن ترتعش أصابعه إذا اقترب من المحظورات التي هي في نهاية المطاف حسابات صغرى كأننا نعيش زمنا لم يعد فيه معنى لعبارة تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها إلا لهؤلاء الذين رضعوا حليباً صافياً ومنقى من شوائب الذل والتسول والخنوع.
وإنني لأتساءل باندهاش.. متى سيقول الإنسان أو يكتب ما يشعر به فعلاً إذا لم يقله أو يكتبه وهو يشم رائحة الفحم البشري تتسلل من الشاشة لتملأ روحه وتصيبه باختناق الضمير. لماذا تعلمنا القراءة والكتابة إن لم يكن لمثل هذه الأيام ما يبرر جدواها، فالأمي الذي ينوب دمعه عن الحبر وهو يشاهد هذه القيامة أرقى وأنقى مليون مرة ممن تعلم القراءة والكتابة كي يمارس شهادة زور أو يعرض نفسه كحذاء للبيع خلف واجهة زجاجية أو مكتبة لا فرق!!
نعرف أن متتالية القهر والزجر والحاجة أصابت العديد من البشر بالتمسحة لكن ما يحدث يثير حتى الحيوان ويشعره بالفزع من الإقامة على هذا الكوكب مع وحوش آدمية لا تؤتمن على طفل أو حتى على شجرة! أذكر أن جدنا ابن الأثير قال بأنه تمنى لو أن أمه لم تلده حين شاهد تلالا من الجماجم بعد غزو المغول، لكنها أمنية مستحيلة المنال وليست بعيدة فقط، لأن ما حدث قد حدث وتورطنا بالولادة في هذا الزمن النذل وفي إحدى اللحظات الغاشمة لتاريخ أصابه الصرع..
ألا يغار بعض الأعراب مما يكتبه ليفي ورايخ وافنيري وبابيه؟ أم أن مختبرات فحص الحمض القومي لا النووي في إجازة طويلة؟
(الدستور)