رمضان .. تصحيح مفاهيم (8) شهر اللغة العربية
بلال حسن التل
23-07-2014 04:45 AM
تحدثنا في المقال السابق عن أهمية امتلاكنا لأدوات فهمنا لديننا - أحكامًا وعبادات ومعاملات- ورأينا كيف ان اللغة العربية هي أهم أدوات فهم الإسلام. لذلك صار من الضروري الاهتمام باللغة العربية، باعتبارها شرطًا لازمًا لفهم الإسلام وأداء شعائره، بل وأكثر من ذلك فقد اعتبر الفقهاء اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض وواجب. إلى ذلك ذهب العلامة الثعالبي بقوله:»اللغة العربية خير اللغات والألسنة والإقبال على تفهمها من الديانة». واعتبرها فقهاء علامة الإسلام، من ذلك قول ابن تيميه: «فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله».
كثيرة هي الأحكام الشرعية التي تربط بين الإسلام واللغة العربية ربطًا عضويًا لا فكاك فيه، ومن ثم تجعل تعلم اللغة العربية والاهتمام بها جزءًا من الدين وعبادة الله، وهي أحكام أشد ما نكون في حاجة لاستذكارها في شهر رمضان الكريم على وجه الخصوص:
• باعتباره شهر القرآن الكريم من حيث النزول:»إنا أنزلناه في ليلة القدر».
• وباعتباره شهر المراجعة السنوية للقرآن الكريم، حيث كان جبريل عليه السلام يراجع القرآن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان من كل عام.
• وباعتباره شهر الأخلاق الكريمة. واللغة من أهم مكونات أخلاق الأمم. وقد أكد العلماء والفقهاء ان للغة العربية منظومتها الأخلاقية المميزة، التي تنسجم مع ما يجب ان يكون عليه المسلم من أخلاق في رمضان وهو ما أشار إليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عندما قال:» «تعلّموا العربية فإنها تزيد العقل والمروءة» وعن العلاقة بين اللغة العربية والأخلاق يقول بن تيميه:» إعلم أن اعتياد اللغة العربية يؤثر في العقل والخُلق والدين تأثيرًا قويًا بيننا. ويؤثر أيضًا في المشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخُلق» وعن العلاقة بين اللغة العربية والبناء الأخلاقي للأمة يقول الثعالبي:»هي لإحراز الفضائل واحتواء المروءة وسائر أنواع المناقب كالينبوع للماء والزند للنار»، وعن العلاقة بين اللغة والأخلاق قال مفكرون وفلاسفة:»إن من لا يتقن العربية لا يعاني من نقص في ثقافته فقط. بل انه يعاني من نقص مهين في رجولته وأخلاقه» ومن ذلك قوله:»ليس لِعَيِيٍّ مروءة ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو بلغ يا فوخه عنان السماء».
• وباعتباره الشهر الذي يتضاعف فيه إقبال المسلمين على التعبد بتلاوة القرآن في أيام رمضان ولياليه، ولما كان القرآن الكريم انما نزل للفهم كمدخل للعمل بما جاء فيه من أحكام وعبادات ومعاملات وتوجيهات أخلاقية، فكثيرة هي الآيات القرآنية التي تحثنا على تدبر معاني القرآن، أي فهمه. وهو الفهم الذي لا يتم إلا بفهم اللغة العربية، إذ هي كما يقول الثعالبي:»أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين، وسبب صلاح المعاش والمعاد».
• ولأن للغة العربية كل هذه الأهمية لفهم الإسلام دعا الفقهاء والعلماء إلى ضرورة الإقبال على تعلّمها وفهمها بحب.. يقول العلامة الثعالبي:» من أحب الله تعالى أحب رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أحب الرسول العربي، أحب العرب، ومن أحب العرب، أحب العربية التي نزل بها أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحب العربية عنى بها وثابر عليها وصرف همته إليها» ومن علامات حب اللغة العربية ان نربي أطفالنا على حبها وفهمها. وهو ما لا نفعله في حياتنا المعاصرة. بل نفعل ما هو عكسه عندما نحرص على تعليم أطفالنا لغات أخرى غير العربية، بل وعلى حسابها. وهو ما يتناقض مع أبسط قواعد التربية والتعليم التي تشدد على انه لا يجوز تعليم الطفل لغة أجنبية قبل ان يتقن لغته الأم، وقبل ان يجتاز سن التعليم الإلزامي.
كثيرة هي وسائلنا لتحبيب أطفالنا باللغة العربية وفهمها، ومنها ان يكتب لهم القصص الشائقة والأشعار الجميلة بلغة عربية سليمة. ومنها ان نصمم لهم الألعاب المفيدة بلغة عربية سليمة، خاصة في الألعاب التي تعتمد الوسائل الحديثة. وهذه دعوة لأصحاب المال للاستثمار فيما يفيدهم ويفيد أمتهم ويخدم دينهم، أن استثمروا في مجال اللغة العربية. ومن علامات حب اللغة العربية أيضًا ان نعمل على نشرها بين غير الناطقين بها، خاصة من المسلمين الذين يتلهفون على تعلم العربية ليفهموا القرآن والسنة. وهنا أيضًا نجدد الدعوة لأصحاب رأس المال كي يستثمروا في مجال نشر اللغة العربية وتعليمها لغير الناطقين بها.
ومن علامات حب اللغة العربية عدم الرطانة بغيرها، بأن يمتنع الناس في بلادنا عن ترقيع ألسنتهم بكلمات غير عربية أثناء حديثهم، ظنًا منهم ان في ذلك حضارة ورقيًا، وقد فاتهم قول علماء الاجتماع، أن ذلك من علامة الهزيمة والاستلاب، ورغبة المغلوب بتقليد الغالب.
وبعد، ففي رمضان شهر القرآن، شهر اللغة العربية، صار من الضروري ان نولي لغتنا العربية ما تستحق من اهتمام إن أردنا فهمًا صحيحًا لديننا، وتصحيحًا لما انحرف من مفاهيمنا عن هذا الدين العظيم.
(الرأي)