وسط برج بابل العربي حيث الكل يحارب الكل، هناك ظاهرة خطيرة تستحق أن نتنبه لها وبحذر شديد!!. ففي يومين قتل على الحدود المصرية – الليبية 21 جندياً مصرياً وجرح كثيرون، وقتل على الحدود التونسية – الجزائرية 14 جندياً وأعلن الحداد الوطني.. هذا إلى جانب خبر يومي عن قتل عشرات رجال الأمن والجيش في شمال سيناء!!.
إن الحدود التي اعتبرها القوميون العرب سبباً رئيسياً في ضعف العرب وتخلفهم، وطالبوا برفعها نهائياً من أجل وطن عربي واحد.. هذه الحدود تتساقط دون زحوف قومية، ودون دولة الوحدة فقصة الحدود لا تقف عند جنازات العسكر الذين يتولون حمايتها، وإنما هي حدود ساقطة سياسياً. فليس للجمهورية العربية السورية حدود.. لا مع لبنان ولا مع الأردن، ولا مع العراق.
والعراق هو الآخر انقشعت حدود السيادة الوطنية فلا معابر مع سوريا والأردن والسعودية وتركيا.. وتبقى حدودها مع إيران مصونة، فالحكومتان تحافظان عليهما ضماناً «للتحالف» والهيمنة. ولعل حدود ليبيا هي التي صارت أثراً بعد عين.. وتولت الميليشيات «حكم» الأحياء في مدنها القليلة، كما تولت نهب نفطها بموانئ النفط وحقوله.. وتكنولوجيات صناعته!!.
وقاموس السياسة الحديثة له تعريفاته في تناول هذه الظاهرة، و»الدولة الفاشلة» ليست بعيدة عن وصف هذه الحالة التي تكاد تكون عامة شاملة الوطن العربي. «فالدولة» انكمشت من آلاف الكيلومترات المربعة إلى.. «منطقة خضراء» أو «قصر الشعب» أو في أحسن الأحوال «العاصمة» التي تصبح مزاراً للأغبياء الذين يرون الشوارع النظيفة حول الفنادق، والأسواق العامرة بالبضائع، والطرقات المتكظة بالسيارات الفارهة.. ومن قرأ تصريحات الجنرال عون بعد عودته من زيارة دمشق، يلاحظ أن الرجل كان «مرتاحاً» لقوة النظام.. ولمدة أسبوعين اعطاهما «للفتنة».. ويتم القضاء عليها!!.
ونعود إلى أساس مشكل الحدود المتهاوية فنقول: إن بقاء سيناء جسماً غريباً في كيان الدولة المصرية.. قبل الاحتلال وبعده، جعل منها مرتعاً للإرهاب، والتهريب، والعصابات المسلحة. ولو أن الاعمار والتنمية وصلت إليها لكان «شعب سيناء» حريصاً على أمن الدولة تماماً كشعب الدقي والاسكندرية. وهذا الحال ينطبق على الصحراء الغربية والصحراء الشرقية المحيطتين بخط الحياة الأخضر الذي لا يتجاوز عرضه جنوب الدلتا.. الخمسة كيلومترات!!
وهذا لا يختلف عن وضع سوريا والعراق وليبيا وتونس والجزائر والمغرب.. فالأطراف دائماً مهمشة، ودائماً مضطربة!!.
لم ننجح طيلة سنوات النضال في اقامة الوحدة أو الوحدات الطبيعية، لأننا لم نكن صادقين في دعوتنا، أو لأننا حولناها إلى مطالب حزبية موقوتة.
ولم ننجح في اقامة كيانات سياسية تحافظ على النسيج الاجتماعي الوطني الموحد بالطبيعة، فتم اقصاء الأكراد،.. وها نحن أمام ترحيل المسيحيين والشيعة والتركمان من الموصل،.. وأمام حرب مجنونة على «الرافضة» العلويين، أو الشيعة!!.
لم نعد وطن العرب، وإنما صرنا أوطان المذاهب والعِرقيات والأحزاب والعصابات المسلحة.
.. وصرنا بدل «الدولة الفاشلة» أمة فاشلة لا تعرف أن مصيرها واحد، وأن مصالحها واحدة وأن الحياة القومية هي صراع مستمر مع التجزئة ومع المطامع الأجنبية.. ومع الكيان المستزرع الصهيوني!.
(الرأي)