رمضان .. تصحيح مفاهيم (7) حتى نفهم
بلال حسن التل
20-07-2014 03:51 PM
عمون - ونحن نتحدث عن تصحيح المفاهيم في رمضان، لا بد لنا من الحديث عن آليات تصحيح هذه المفاهيم، التي تُمكنُّنا من فهم أحكام ديننا وعباداتنا ومعاملاتنا، والتي أدى غياب فهمنا لها إلى تحولها عند غالبيتنا إلى مجرد عادة أو طقوس، وحركات منفصلة عن نظامها الأخلاقي، الذي يجب ان ينعكس سلوكًا في حياتنا اليومية، وعندما ندقق النظر بحثًا عن أدوات الفهم، فإننا لا نحتاج إلى كبير عناء لنتأكد أن أول أدوات الفهم لديننا- أحكامًا، وعبادات، ومعاملات - هي اللغة العربية. لأنه بدون اللغة العربية وفهمها، لا يمكن فهم سائر أحكام الإسلام ومعاملاته وعباداته، التي لا تكون إلا بالعربية، خاصة الصلاة والتعبد بتلاوة القرآن، الذي هو معجزة الرسول عليه السلام التي تحدى بها العرب عندما أنزله الله بلسانهم لقوله تعالى:»وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين»(الشعراء: 192-195). ومثلما لا يفهم القرآن إلا باللغة العربية، فكذلك لا يُفهم الحديث النبوي إلا باللغة العربية، وهذان هما المصدران الأساسان لأحكام الإسلام وقواعده ومعاملاته وعباداته، وما عداهما فهو شرح لهما، لا يمكن ان يتم ويستقيم إلا إذا كان الشارح متقنًا للغة العربية، حاذقًا لقواعدها؛ لذلك حث رسول الله عليه السلام على تعلم اللغة العربية.. من ذلك قوله عليه السلام:» أعربوا الكلام كي تعربوا القرآن»، ومن بعده عليه السلام كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يكتب إلى ولاته قائلاً:» تفقهوا في السنة، وتفقهوا بالعربية، وأعربوا القرآن فإنه عربي مبين» لذلك كان الواحد من الصحابة يقول:»لو أعلم أني إذا سافرت أربعين ليلة أعرب آية من كتاب الله تعالى لفعلت».
لقد أجمع الفقهاء على أن تعلُّمَ اللغة العربية وإتقانَها شرط من شروط فهم القرآن وتفسيره. وفهم القرآن وتفسيره هو المدخل الرئيس لفهم الإسلام وأركانه الخمسة، وهو ما لخصه الإمام الشافعي بقوله: «على كل مسلم أن يتعلّم من لسان العرب ما بلغَه جُهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداًُ عبده ورسوله، ويتلو به كتاب الله تعالى، وينطقَ بالذكرِ فيما افترض عليه من التكبير، وأُمِرَ به من التسبيح والتشهد وغير ذلك. وما ازداد من العلمِ باللسان الذي جعله الله لسان من ختم به نبوته، أنزل به آخر كتبه، كان خيراً له». بل لقد أفتى الفقهاء بوجوب تعلم اللغة العربية وفهمها لفهم أحكام الإسلام.. من ذلك قول ابن تيمية: «اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ، فإنَّ فَهْمَ الكتابِ والسنة فرض، ولا يُفهمُ إلا بِفَهْمِ اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب». وقول الثعالبي عن اللغة العربية: «والإقبال على تفهمها من الديانة، إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين». أما الجزائري فيفسر في كتابه أيسر التفاسير قول الله تعالى:{وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إماماً وَرَحْمَةً وهَذَا كتابٌ مُصَدِّقٌ لساناً عربياً لُينْذِرَ الذينَ ظَلَمُوا وبُشْرَى للمُحْسنينَ} (الأحقاف:12) بقوله:» من هداية الآيات, وجوبُ تعلُّم اللغة العربية لمن أراد أن يحمل رسالة الدعوة المحمدية فيُنذرَ ويبشِّر».
وقد جعل أئمة الفقه، تعلم اللغة العربية كتعلم السنن النبوية، وفي هذا يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: «لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً، وأكثرها ألفاظاً، والعلم بها عند العرب كالعلم بالسنن عند أهل الفقه».
أما ابن تيمية فيقول في فتاويه: «تعلم العربية التي يتوقف فهم القرآن والحديث عليها فرض على الكفاية»، ويقول أيضاً: «إن تعلم العربية وتعليم العربية فرض على الكفاية، وكان السلف يؤدبون أولادهم على اللحن، فنحن مأمورون ـ أمر إيجاب أو أمر استحباب ـ أن نحفظ القانون العربي، ونصلح الألسن المائلة عنه، فيحفظ لنا طريقة فهم الكتاب والسنة والاقتداء بالعرب في خطابها».
أما ابن القيم الجوزيه فيقول في كتابه الفوائد ص 7 : «وإنما يعرف فضل القرآن من عرف كلام العرب، فعرف علم اللغة وعلم العربية وعلم البيان، ونظر في أشعار العرب وخطبها ومقولاتها في مواطن افتخارها ورسائلها».
ومع إجماع العلماء على مر العصور على وجوب تعلم اللغة العربية والدفاع عنها؛ كذلك أفتوا بوجوب الإنفاق على تعليم اللغة العربية للناس. وهو ما أشار إليه الأزهري في مقدمة كتابه (النصيحة الواجبة) بقوله: «أن تعلم العربية التي يتوصل بها إلى عمل ما تجزي به الصلاة من تنزيل وذكر فرض على عامة المسلمين. وإن على الخاصة التي تقوم بكفاية العامة فيما يحتاجون إليه لدينهم الاجتهاد في تعلم لسان العرب ولغاتها التي بها التوصل إلى معرفة ما في الكتاب (القرآن)، ثم السنة والآثار وأقاويل أهل التفسير من الصحابة والتابعين من الألفاظ العريبة، فإن الجهل بذلك جهل بجملة علم الكتاب الخ».
ونظرًا لأهمية وضرورة ووجوب تعلم اللغة العربية وفهمها كمدخل لفهم أحكام الإسلام وعباداته، اهتم المسلمون على اختلاف أعراقهم وألوانهم باللغة العربية، وكانوا يسمون الحرف العربي بالحرف الشريف، لأنه حرف القرآن، وبها نزلت آياته. وقد تجلى هذا الاهتمام بإقبال المسلمين على اللغة العربية يتعلمونها ويعلمونها ويخدمونها، لذلك برز سيبويه في النحو، والجرجاني في البلاغة، كما برز الزمخشري في التفسير، والبخاري ومسلم في الحديث.. فبدونها لا يستطيع المسلم فهم القرآن الكريم، ومن ثم فهم أحكام دينه. فاللغة العربية هي أهم أدوات فهم الإسلام وأحكامه. لذلك فانه صار من الضروري ونحن ندعو إلى تصحيح مفاهيمنا لأحكام الإسلام وعباداته ومعاملاته، ان نولي اللغة العربية الاهتمام الذي يليق بها كمدخل أساس من مداخل فهمنا لديننا، وتصحيح مفاهيمنا لعباداته ومعاملاته. "الراي"
Bilal.tall@yahoo.com