انتشرت ثقافة الاستهلاك في مجتمعنا وترسخت ثقافة السوق، عند معظم شرائح مجتمعنا ولم يعد أحد يكتفي بما آتاه الله. وأجبرنا على استهلاك ما لا ننتج، وما لا نجتاج.
كل ذلك بالتوازي مع إغراقنا بالقيم المادية, وتحطيم القيم الأخلاقية التي تميزنا، تهيأت عقولنا لقبول الفكر الاستهلاكي وثقافة العولمة الاستهلاكية بسرعة.
ليصبح عندنا عقلية استهلاكية منشرة عند كل فئات المجتمع، تُقبل على الاستهلاك فقط متجاوزة درجة إشباع الحاجات الطبيعية الضروريّة للعيش، إلى إشباع الحاجات الثانوية غير الضرورية والتي يمكن أن يستغني عنها أصحاب الإرادات القوية أو أولئك الذين يدركون أبعاد المخطط وخطورة المؤامرة.
وهذا يعطينا تفسيرًا لأسباب إغراق أسواقنا بمنتجات قد لا نحتاج اليها طيلة حياتنا، وكلها مما يغذي العقلية الاستهلاكية، قرأنا في إعلامنا أن الأردنيين ينفقون 494 مليون دينار سنويا على التدخين كما ينفقون نحو مليار على مكالمات الجوال ، و 28.9 مليون دولار على المكسرات، وفي عيد الحب ينفق الاردنيون مليون دينار احتفاء بهذه المناسبة!!، وينفقون 200 مليون دينار على السفر في ثلاثة أشهر، وينفقون 98 مليون دولار على شراء الأجهزة الخلوية في 6 شهور و30 مليون على العطور سنويا كما ينفقون 27 مليون على الشاي والقهوة، وينفقون في شهر رمضان 120 مليون دينار،.
يحكى أن أبا الأسود الدؤلي -القاضي المشهور, اشترى حصانا . وفي الليلة التي اشتراه فيها استيقظ أبو الأسود على صوت غريب, ولما تحسس الأمر وسأل قالوا له: إنه صوت الحصان يأكل الشعير طوال الليل. فقال أبو الأسود الدؤلي مقولته الحكيمة: والله لا أترك في مالي مَنْ يمحقه ويتلفه، والله لا أترك في مالي إلا ما يزيده وينميه.
وفي الصباح باع الحصان، واشترى بقيمته أرضا للزراعة، إن حكمة أبي الأسود جعلته يرفض الإذعان للعقلية الاستهلاكية منذ اليوم الأول لشرائه الحصان، كان الرجل يؤمن أن من يسلم نفسه، وماله, وموارده للعقلية الاستهلاكية إنما يسلم مصيره للإخفاق والهلاك والفشل. وهذا ما لم تقبله عقلية أبي الأسود وما لا تقبله عقليات كل الأسوياء على مر الزمان. إن حكمة الرجل جعلته يفضل اقتناء مصدر إنتاجي (أرض للزراعة) بدلا من الحصان (كمصدر استهلاكي)
قالوا لأحد الصالحين: إن اللحم قد غلا، فقال لهم: أرخصوه، قالوا: كيف؟ قال: اتركوه، ولما رأى عمربن الخطاب، أحدهم، آتياً باللحم، قال له: ما هذا؟ قال هذا لحمٌ يا أمير المؤمنين، اشتهيته فاشتريته، قال عمر: يا هذا، أو كلما اشتهيت شيئا اشتريته؟! كفى بالمرء إثما أن يشتري كل ما يشتهي.
نحن بحاجة الى بناء ثقافة تدفعنا دفعاً للبعد عن ثقافة الاستهلاك، وتثقيفنا بثقافة الإنتاج, ثقافة تنمي فينا البعد عن المظهرية, وحب الظهور، والرغبة في التميز والاختلاف, وحب التملك, والتباهي، كيف نفهم أن العقلية الاستهلاكية عقلية سطحية بدائية، تميل إلى حب الظهور والتقليد بالتبعية، تربط السعادة بالقدرة على اقتناء كل ما تشتهيه النفس. هدفها الأساسي في الحياة هو تحصيل الملذات مهما كانت الوسائل، أعتقد ان السبب في غلاء الأسعار الذي نكتوي بناره جميعاً الآن هو قلة وعينا الاستهلاكي، وإذا كان لزمان العولمة وتغييب الإرادة دور في ذلك، فلأنها وجدت أرضاً خصبة في عقولنا و طريقة تفكيرنا .