"الإسلام" فوق أسطورة الخلاص الفردي (2-1)
جهاد المحيسن
20-07-2014 04:44 AM
قداسة النص، وقداسة الحدث والأشخاص التي فرضها البعض من المتأخرين والمتقدمين من مثقفين ومؤرخين وفقهاء، ومحدثين بتقديس النص التاريخي، والخلط الواضح ما بين الواقع والأسطورة لتأصيل حالة الخلاص الفردي على حساب الخلاص الجماعي الذي يشكل محور الإسلام وهدفه النهائي.
القرآن الكريم عندما يتناول الحديث عن الإنسان يتحدث بلغة الجماعة، وفي المسائل التفصيلية يتناول الإنسان بمطلقه رغم الصورة التي توحي بالفردية في الظاهر، ولكنها في التفاصيل تعني عموم الناس وليس الفرد، والأمثلة كثيرة في القرآن الكريم وهذا ينطبق على كل البشر " يا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ".
ولكن بدا من الواضح أن عدم الفهم لدقة النصوص، وتوظيفها لمصلحة الفرد مقابل الجماعة أدى ذلك إلى تراجع على مستوى المجتمع بأسره، وعطّل فهم النصوص، لمصلحة " الأنا"، رغم التحذيرات الواردة في القرآن من أن الرهبانية، والفعل الفردي والتدين الفردي ليس من جوهر الإسلام.
وعندما بدأ الرسول عليه السلام الدعوة الإسلامية، كان محور الدعوة يقوم على تكوين الجماعة، وهذا ما حصل فعلا وتتوج في المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وإحلال رابطة الجماعة والعقيدة محل رابطة العصبية والدم.
ولذلك كانت معركة بدر فصلا مهماَ في فصول وحدة الجماعة مقابل القبيلة، التي تواجه فيها الأقارب والأحبة وجهاً لوجه، وكانت فكرة المشاورة بين الجماعة محور العلاقة بين الرسول الكريم وصحبه، والعلاقة مبنية على هذا الأساس الجديد الذي نحّى فكرة الفرد وأعلى من شأن الجماعة والتعاون والخلاص الجماعي من ظلم الحياة اليومي "فبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ * وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ * فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ * فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ * إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".
لكنْ جرى تغيير جذري في مفهوم حركة الجماعة وماهيتها الإنسانية على مر التاريخ الإسلامي، وبرز الفرد البطل الفرد العابد الفرد الخارق للعادة، وبرزت أسطورة الخلاص الفردي تعزز بكثير من القصص والحكايات التي يختلط فيها الديني بالأسطوري، حتى اكتسبت الفردية صفة مطلقة أصبح من الصعب كثيرا ازالتها من عقول الناس.
وحتى عندما بدأ الصراع السياسي في ما عُرف بالفتنة، خرجت الناس على الجماعة بجماعات وليس بشكل فردي، فظهر الخوارج والشيعة وغيرهم ولكن بمنطق الجماعة والفهم الخاص بهم للنص القرآني. وحتى تكتمل صورة الفردية، فإن بعضا من الفقهاء والمؤسسات السياسية التاريخية الإسلامية أو ما يعرف بمؤسسة الخلافة، عززت من سطوة الخلاص الفردي، وجعلت منه أسطورة تتمحور فكرتها الرئيسية أن الفرد في هذا الكون يعيش وحده وعليه ان يركز على ما يخلصه من العذاب الأخروي.
(الغد)