ذات غزو وحشي، إذا أشرقت الشمس من الغرب، وزرع الناس العنب تحصدوا الحنظل، وباض الديك وصاحت الدجاجة على أعلى قمة لأعلى مزبلة في هذا الكوكب، ستدرس الاكاديميات العسكرية فصولا من حرب تواجه فيها السنبلة السيف، ويذود العصفور سرب غربان عن عشه.. ويعاد تعريف عدة مفاهيم منها:
الدفاع عن النفس، فاسرائيل الذي برر لها العالم المتوحش تحت قناع التمدن الزائف حرق الاطفال وتدمير المستشفيات واقتلاع الشجر على ان هذه الجرائم مشروعة تحت ذريعة الدفاع. ومن هذه المفاهيم المقترحة على العالم ادانة الانسان اذا فاجأه اللصوص لانه لم يهرب من النافذة وقرر ان يدافع عن زوجته وابنائه وبناته بسكين المطبخ والمقلاة، وما تصل اليه يداه من الزجاج والاطباق.
ومنها ايضا: ان الديمغرافيا كذبة كبرى، لان ما يحدث الان هو ان لكل ستين عربيا اسرائيلي واحد ولكل اربعمئة مسلم يهودي واحد وان الشجاعة في فترة ما بعد الحداثة وما بعد العروبة وما بعد التاريخ هي في ابتكار اساليب جديدة للفرار، وبتسليم الشقيق سعد كي ينجو بقية السعداء!
لقد اشعل البوعزيزي التونسي النار في كل هذا الهشيم الربيعي عندما بدأت الشرارة من جسده، فلماذا لا يشعل الاطفال الفلسطينيون المحترقون والذين تحولوا الى رماد هذا الكوكب بأسره وبأسراه معا؟
الهزيمة الكبرى الان تلحق بعالم يثرثر على مدار الساعة عن الحريات والديمقراطية ولا تمس طفلا ألقت عليه الفانتوم عشرين ضعف وزنه من الديناميت.
والمهزومون هم الهاربون من قدرهم التاريخي الذين ألقوا اصغر اخوتهم الى الذئب.
هكذا يتغير مفهوم ثنائية النصر والهزيمة ويصبح للتاريخ نصف ثالث، سموه التراجيديا او الملحمة او الفضيحة فالاسماء لا قيمة لها ما دام المسمى بهذه البلاغة ودمه بهذه الفصاحة التي لا تشوبها عجمة او لكنة عبرية وحين سخر احد العرب وقال ان الاغنية الشهيرة للراحل سيد مكاوي وهي الارض بتتكلم عربي قد تغيرت واصبحت الارض بتتكلم عبري.. والحق نقول ان كل شجرة في فلسطين لها حفيف بالعربي وكل قطرة في مياهها الاقليمية هي حرف او نقطة في الابجدية الخالدة.
ان ما اسقطته اسرائيل عمليا بكل ما لديها من فائض السلاح والافراط في استخدامه هو الاقنعة، فالبيوت يعاد بناؤها بحجارتها ذاتها والمستشفيات يعاد تأثيثها وكذلك المدارس والمساجد والكنائس، لكن ما لا يمكن ان يستعاد هو القناع الذي ما ان سقط حتى تحولت أمّة فقدت الشَّدة عن ميمها إلى عورة!
(الدستور)