دعيت الى سهرة رمضانية شبابية في بيت الناشط على الصعيد الشبابي المهندس «غيث هاني القضاة»، وقد حضر طيف واسع من شباب الحركة الاسلامية من ذوي الآراء والتوجهات الفكرية المختلفة وكانت جلسة متميزة وفريدة من حيث العمق في الطروحات ولمس القضايا المهمة ذات الأثر الملموس في مصير الحركة الإسلامية والإسلام السياسي بشكل عام.
يكاد يكون محلاً للاجماع من جميع الحاضرين ضرورة قراءة المشهد السياسي بطريقة اكثر عمقاً وشمولاً وأقرب الى الدقة من اجل الوصول الى ادراك سليم للواقع القائم، وادراك التحولات العميقة التي تجري بتسارع عجيب ولها أثر كبير يمس المجتمعات العربية والقوى السياسية على طريق إعادة تشكيل المنطقة برمتها، من خلال إعادة تشكيل الحراك السياسي وتوجيه المؤثرات الفاعلة، ومحاصرة المربعات الخطرة التي تحمل بذور التمرد والثورة داخل الشعوب المجتمعات العربية على وجه الخصوص.
السنوات الثلاثة المنصرمة نقلت المنطقة كلها الى آفاق جديدة ومستويات جديدة من التفاعل الجمعي، وكان لها أثر بالغ عل مستقبل الدول والأنظمة، وعلى مستقبل الأطر السياسية والقوى الحية والأجيال، مما يحتم على قوى النهوض والاصلاح الارتفاع الى مستوى الحدث، وامتلاك القدرة على التعامل مع مقتضيات التغيير بمرونة عالية وادراك واسع قائم على استشراف المستقبل وخيوط اللعبة الدولية بمنتهى الذكاء والحكمة، ومن يصر على البقاء ضمن الأطر التقليدية السابقة ومقاومة التجديد والتطوير، فسوف يطويه الزمن، ويتعرض للأفول والانقراض الحتمي، وفقاً لسنن الكون التي لا ترحم الكسول، ولا تحابي العاجز.
المراجعة المطلوبة تحتاج الى جهود منظمة ومدروسة، وتحتاج الى ورشة دائمة من الاجتماعات والمؤتمرات والندوات، واستنفار أصحاب الفكر وأهل الاختصاص، والاستعانة بأصحاب الخبرة وأهل الرأي من جميع الأوساط الوطنية وكل من يملك الاستعداد لبذل النصيحة والرأي والقدرة على العطاء، وخاصة من أوساط الشباب والأجيال الجديدة الذين يملكون احساساً دقيقاً ومقدرة على ملامسة الواقع وقراءة تفاصيل المشهد بطريقة أقرب الى روح العصر ومقتضيات التطوير، ويمتلكون الهمة العالية والروح الوثابة، ويمتلكون القدرة على الانعتاق من التقليد والتعصب الأعمى.
الحركة الإسلامية انطلقت من أرضية الحفاظ على هوية الأمة الثقافية، ومقاومة الاستلاب الحضاري الذي رافق الهجمة الاستعمارية الغربية في بدايات القرن المنصرم، فاستطاعت الحركة الإسلامية أن ترث انطلاقة الوعي على يد النخبة الفكرية والمثقفة، وبالتعاون مع القوى الوطنية وحركات النهوض، ويمكن القول أن الأمة تجاوزت هذه المرحلة، وأصبحت على أعتاب مرحلة أخرى مختلفة شكلاً ومضموناً؛ مختلفة من حيث التحديات المشاكل والآفاق، ومختلفة من حيث الأهداف والغايات ومن حيث الوسائل والأساليب والأدوات أيضاً.
الأمة العربية والاسلامية بحاجة الى قوى نهضوية جديدة قادرة على تحقيق التقدم والإنجاز، وقادرة على وضع الأمة بمجموعها على سكة النهوض الحضاري الذي يجعل العرب مشاركين في المشروع الحضاري العالمي بفاعلية وأن تتخلى عن مرحلة التبعية بكل أبعادها ومستوياتها، وأن نتخطى حالة العجز والغثائية، وهذا يتطلب العمل على تمكين الشعوب والمجتمعات العربية بطريقة هادئة ومتدرجة، من خلال إيجاد المشاريع النهضوية العامة، بعيداً عن التمكين الحزبي وبعيداً عن معارك الصراع على السلطة، التي بددت الجهد وفرقت الأمة وحولتها الى ساحات مليئة بالدم والعنف والصراعات الطائفية والمذهبية والعرقية والجهوية.
الحركة الإسلامية تختزن طاقات هائلة، وتمتلك كوادر وتخصصات عديدة، تحتاج الى تفعيل وتشغيل وتوزيع أدوار، وافساح المجال للانطلاق والتفاعل مع المجتمع ومع الآخرين، في كل مؤسسات المجتمع من أجل تراكم الإنجاز الجمعي العام على كل مستويات الحياة العامة بلا استثناء من أجل تجاوز مرحلة التمكين للحزب والجماعة والأفراد، الى مرحلة تمكين المجتمع كله، من اجل تحقيق الاقلاع الحضاري الذي يحمله المجتمع كله بكل مكوناته واتجاهاته السياسية والفكرية ولن يتحقق الاقلاع الحضاري عن تحليق فئة محدودة في الفضاء، بل لا بد من نهوض جمعي عارم.
أرجو أن تكون هذه الجلسة شرارة لفتح آفاق المراجعة الشاملة وإيجاد حراك داخلي شبابي واسع قادر على قراءة المشهد والواقع القائم، وتلمس خطوات المستقبل بكفاءة ودراية كافية.
(الدستور)