عيوننا عليك .. ناهض الوشاح
19-07-2014 06:07 PM
حين تنظر من حولك .. ماالذي تبصره ؟؟
نعاس ينسلُّ من العيون .. هياكل عظمية تغادر فراشها .. قناع الأحلام يسقط مع التأتأة الأولى لخطوات الخروج نحو العالم .. قناع الكذب نرتديه ونحن نتمايل أمام المرآة .. تخرج الى المدينة الحديثة ذات البريق المصطنع .. ولا تبصر من خلال الجدران باطنها الخرب .
فقر كافر وترف سفيه .. تُغريك الأضواء .. صور الإعلانات المعلقة على جوانب الشوارع .. تندس كطفل تائه بين الكتل البشرية .. تزاحم الجموع الغفيرة كي تحصل على مكان تجلس فيه في الحافلة .. تحاول الوصول بشق الانفس حتى تصل بفعل التدافع الى مقعد يتسع لشخصين .. تجلس دون ان تنظر من يحتل المقعد الثاني .. لا يهم امرأة .. ام رجل هرم .. المهم انك تحتل مكانا في هذه المدينة .. مدينة الركض وراء الحافلات .
تأخذ نفسا عميقا كأنك خارج من معركة .. تتفقد نفسك تنظر الى قميصك .. مازال البياض لونه .. الساعة في المعصم والهاتف في الجيب .. القلب يخفق بشدة عندما دار محرك الباص للإنطلاق .. اذا أنا مسافر الآن اليكِ .. لتكتحل عيناي برؤيتك ..وتمتزج رائحتك بمسام روحي وأسكن فيك كما تسكن الملائكة السماء.
همس يسري بين الركاب .. طفل يبكي في أحضان أمه .. شقراء تعبث بهاتفها .. صوت المذياع يعلو وينخفض حسب الاشارة التي يلتقطها.
د
أسند رأسي الى الكرسي مغمض العينين .. احاول الوصول بروحي قبل جسدي .. اتذكر صباحي والمسافة التي تفصلني عن عتبة البراءة .. حين كان كل شيئ جديدا وجميلا .. حقيبة الأحلام مليئة بماض لم يبق منه سوى الكلمات.
توقفت الحافلة عند الحاجز العسكري .. نقطة تفتيش .. نزلنا نحمل حقائبنا .. أخرج كلٌ هويته .. كأننا شركاء في جريمة واحدة .. التهمة أننا ولدنا على أرض فلسطين ونعيش خارج فلسطين .. لاجئ يُنجب لاجئ.
وصل التفتيش حقيبتي .. بعض الملابس والكتب .. أسئلة مكررة ..لماذا وأين ومتى ؟؟؟
تكاد تختنق بفضاء يُجرد فيه الأنسان من إنسانيته ويُداس فيها على كرامته .. تحاول الصراخ .. لكن شيئا في داخلك يمسكك ويُذكرك أنك ذاهب اليها .. وأنها بانتظارك.
صعدنا الى الحافلة والكل يشتم ويلعن الإحتلال و الغربة.
ما زلت أحمل هويتي والكتاب الذي قلبه الجنود الذين يلوحون للسائق بالانصراف واجتياز الحاجز .. فتحت الكتاب ..
الصفحة الأولى ( احلم ببطئ )
الصفحة الثانية ( يحاصرني واقع لا أجيد قراءته )
تجتاحني نوبة حزن عارمة .. لبؤساء يقتاتون حلم العودة ولا يعودون الا كأغراب يلقون التحية ثم يحين موعد رحيلهم الى المنافي والمخيمات.
المحطة الأخيرة نزل الجميع والتعب يلتهم أجسادهم .. أصوات السائقين تنادي .. الخليل .. بيت لحم .. رام الله ... صفد .. بيت لاهيا .. بيت جالا .. غزة .. القدس
القدس .. قفزت كغزال سمع صوت أمه .. كبر صغيرك يا أمي وما عادت نساء الحي تملئ خده بالقُبل .. ركبت السيارة مثقلاً بالحنين .. منقاداً بشكل أعمى الى قوى خفية تسير بي الى القدس.
كانت المآذن تعانق السماء حينما وصلت مع آذان الظُهر .. القبة الصفراء ترتفع مع كل كلمة الله .. جثوت على ركبتي وشكرت الله.
توجهت الى باحة الأقصى لأداء صلاة الظهر .. الحاجز بانتظاري .. الحقيبة مفتوحة والهوية جاهزة .. لكن شيئا من هذا لا يريدون .. ارجع قال لي ذلك الجندي .. لماذا ؟؟
لم تصبح هرما حتى تدخل ..
جلست حيث ساقتني قدماي وغصة تحرق حلقي الى سور قريب من الباحة .. والقيت السمع الى الخطيب ..
إن العدو ينهش جسدكم .. إن الأنذال يسبّون نبيكم ويذبحون أطفالكم ونسائكم وأنتم تجتمعون وتنفضون ثم تتشدقون بعد ذلك بشجاعة العرب يا أشباه الرجال ولا رجال ..
ان اليهود الذين فرقهم الله في الارض .. فرقوكم ..اليهود الجبناء .. جعلو منكم جبناء يا أمة العرب .
أقاموا الصلاة حيث صليت مكاني .. وما أن انتهت الصلاة حتى سُمع اطلاق النار وقنابل مسيلة للدموع .. ركضت بكل قوتي .. دخلت مع الجموع المتدافعة نحو باحة الأقصى .. يهود يهجمون على المصلين .. رجل سقط .. نساء يدفعن بأيدهن الطاهرة اليهود .. انهالوا ضربا بالعصي على الرجل يصرخ القدس لن تنهار .. وهم يضربون (سنهدم الأقصى ) تدافع بالمناكب والأرجل .. زحام .. لا أرى شيئا .. ارتطم رأسي بشيء صلب .. غطّى الدم الساخن وجهي .. ما عدت أرى سوى أجساد تتدافع .. القبة الصفراء تلمع أمامي .. سيارة الأسعاف .. صفارات الأنذار .. أحاول الوقوف .. أمد يدي نحو القبة .. أرى أنها تمد يدها نحوي .. سقطت مغشيا علي ..
الهي الى من تكلني الى عدو يتجهمني أم الى قريب ملكته أمري .... لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك .