بعيداً عن كل المواقف السياسية والتحليلات الفضائية (الفارغة) التي تناولت العدوان الإسرائيلي على أبناء قطاع غزة العُزَّل، وبمعزل عن المبادرات السياسية التي يجول فيها وبين سطورها ويفاوض عليها وحول بنودها كل الأطراف.. إلا أولئك المدنيين الضحايا الذين هم حطب الكراهية من طرف والمغامرات المتواصلة من طرف آخر، أرى أن ما جرى ما هو الا مشهد يصب في الصورة المُركبة التي تعمقت عبر السنين وتنامت في العالم ومفادها أن على العرب أن يلتزموا الصمت حتى وهم يتعرضون لأقسى الضربات.. حتى آهات الوجع مُحرمة عليهم، بدا لي أن العالم كله يرى أن دموع الأمهات الفلسطينيات عليها أن تبقى معلقة في مقلها ساكنة حتى لا تؤرق الجلاد!!
أستغرب، أن الغرب الذي أمضينا أُمسياتنا الرمضانية نهلل لمعاركه الانتخابية ونرفع الأعلام وسط مواكب الفرح ونُعزي أنفسنا بخساراتهم، ونعرض لإعجابنا بحضارته.. هذا العالم ذاته استكثر على أبناء غزة أن يتوجعوا.. فعادت لعبة الإعلام الغربي التي تعلمناها في ألف باء صحافة لتكشف عن جوهرها ولتخبرنا أن العالم لم يتغير ونحن أيضاً وبقينا الحلقة الأضعف، المطالَبة باستيعاب الصدمة والضربات والأسقف المنهارة على رؤوس الأطفال خلال أحلامهم المسائية.. بصمت!!
لا خبر.. اللهم الا بما يحفظ ماء وجوه الأسماء الكبيرة في اعلام العالم..
قبل أيام من الضربة الإسرائيلية، أفرد نفس ذلك الإعلام العالمي ذي المعايير المزدوجة مساحات بث لا نظير لها حول المستوطنين الاسرائيليين الثلاثة الذين اختطفوا في الضفة، على رأس النشرات وفي مساحات البث البرامجي، إنتاجات وثائقية عُرضت على شاشات عالمية كبيرة حول حياة ويوميات ومناقب وخصال (ايال وغيلعاد ونفتالي) الشباب الذين خسرتهم البشرية حين وجدت جثثهم.. وكذا فعلت الصحف العالمية وبعض العربية المتعاطفة، بكت أُمهاتهم وأُمهات اسرائيل وبكى العالم معهن.
من واشنطن الى سدني ومن كوبنهاجن الى جوهانسبرغ، أجمع العالم أن إسرائيل لها حق الرد، وغض طرفه عن حجم الرد وشكله..
وحين جاء الرد الإسرائيلي على أبناء غزة، الذي لم يقع ضحيته قيادي واحد في القطاع صمتت أجهزة الإعلام العالمي الا عن التبرير وتحليل المشهد بوجهة نظر أصحاب الرد، وسط هذا لم يتطرق العالم لدمعة أُم غزية فقدت ابنها أو زوجة راح مُعيلها ضحية التواطؤ العالمي العربي والمحلي..!!
من يحتكر الحزن وينال الحق الحصري للبكاء..؟!
والدة الشهيد الفتى الذي اختطف وحُرق حياً محمد أبوخضير بشعفاط في طريقه لأداء صلاة الفجر في المسجد، حُرم عليها البكاء حسب وجهة النظر العالمية تلك ذاتها، وكأن الحزن له ناسه والدموع لها من يسكبها أما أُمهات فلسطين فلا..!؟
نحن ببساطة مهما انتخبنا أعضاء في هيئات ومؤسسات الأمم المتحدة وترأسنا لجانها الشكلية.. لسنا مشمولين بالعطف الدولي لما يسمونه عندهم حقوق الإنسان، نحن خارج منطقة التغطية الإنسانية لعالم يبدو من الخارج أنه ديمقراطي ومحايد كما يقول إعلامه..
عندما تكون إسرائيل طرفاً، يسقط (برقع الحياء) عن وجه العالم بأعلامه ومؤسساته ومجتمعه المدني، وتعود الدنيا الى ما قبل المواثيق والعهود واتفاقيات الحظر.. وتُنتخب اسرائيل نائباً لرئيس المنظمة العالمية لمكافحة الاستعمار..
أُمهات المخطوفين الثلاثة وصل صدى عويلهن الى أعتاب البيت الأبيض وتن داونيغ ستريت والكرملين وجاء الرد صمتاً و(طبطبة) وغض طرف.. أما أبوخضير وأكثر من ألفي طفل قُتلوا في عقد من الزمان على يد اسرائيل.. فلا بواكي لهن!!
*(تحية لأحمد الطيبي الذي عبر عن وجعنا رغم إصرار الأفعى التي حاولت التشويش على صوته المحترم في الكنيست بفحيحها)..!!
"الغد"