برزاني في أنقرة .. ماذا عن «الاستقلال»؟
محمد خروب
17-07-2014 04:44 AM
في الوقت الذي «تخلط» فيه غزة اوراق المنطقة، وربما في اعادة تشكيل تحالفاتها واصطفافاتها وغياب اي افق للخروج من نفق الابادة والعربدة التي ادخلت اسرائيل الجميع فيها، فان مسعود برزاني رئيس اقليم كردستان، لم يجد غير انقرة «بوابة» للبقاء في دائرة الضوء، بعد ان «بردت» حماسته لاعلان الدولة الكردية المستقلة وخصوصاً عندما زعم بأنه اوعز الى الجهات المختصة بالاقليم للتحضير لاجراء استفتاء شعبي يقرر فيه سكان الاقليم، ما اذا كانوا يريدون البقاء في الدولة الاتحادية ام الانفصال وتشكيل كيان سياسي مستقل..
ذهب برزاني الى انقرة وعاد منها، لكن اشارة واحدة لم تصدر عنه في شأن الدولة المستقلة او الاستفتاء ولا حتى كركوك، التي كان حسم امرها في السابق عبر تصريحات تفوح منها رائحة النصر والغرور والتحدي، وهذا الصمت اللافت (حتى لا نقول التحوّل) لم يكن نتاج المباحثات التي اجراها مع المسؤولين الاتراك وخصوصاً مع حليفه الاول (وربما الوحيد بعد اسرائيل) في المنطقة وهو اردوغان، بقدر ما هو نتيجة «حتمية» للموقف الاميركي الراهن على الاقل، الذي عارض علناً خطوة كردية كهذه، ما كبح جماح برزاني بادراكه ان ظروف الاستقلال، لم تنضج بعد، وأن أصدقاءه الاميركيين يخشون ان تفلت الامور من بين ايديهم، ولهذا قرروا عدم تأييد خيار الاستقلال (الآن)، الامر الذي تجلى في السرعة اللافتة التي تخلى فيها برزاني عن مشروعه (الذي لا يحظى باجماع كردي حزبي وسياسي رغم وجود اغلبية شعبية وازنة داعمة له) ذاهباً مباشرة الى الازمة السياسية العراقية الراهنة طارحاً اولويات جديدة بقوله: «ان اقليم كردستان يعمل على محورين هما الاستمرار في العملية السياسية في بغداد للوصول الى تشكيل حكومة جديدة، والمحور الثاني العمل على بناء كردستان وحمايتها من كل اشكال التهديدات»..
ترتيب الاولويات لم يكن صدفة، ووضع العملية السياسية في المقدمة يشي بأن تراجعاً واضحاً قد طرأ على «تفكير» الرجل الذي ظنّ ان الهجوم المنسق والمبرمج اقليمياً ودولياً الذي قام به تنظيم «داعش» واحتلاله الموصل، اتاح فرصة لن تتكرر وبالتالي فان الاستيلاء على كركوك ثم حقول النفط فيها وتالياً البحث عن دعم اقليمي ودولي لاستقلال الاقليم، يمكن ان تتم في لحظة ارتباك وخلط للأوراق اتاحها داعش وخصوصاً انها ترافقت مع «تمرد» حمل يافطة مذهبية سنية تم توظيفه لاقامة تحالفات واصطفافات جديدة, وبخاصة انها تلعب على ورقة الانفصال ذاته ولكن هذه المرة لصالح الطائفة السنية التي تعيش حالاً غير مسبوقة من الاضطراب والاحتقان, جاء تمكّن تنظيم «الدولة الاسلامية» من مدينة الفلوجة ثم اجتياجه للموصل وأقضية ومدن قريبة من بغداد (واخرى على تماس مع المناطق الكردية) كي تضع العراق امام استحقاق «تأخّر» احد عشر عاماً, وكان يُفترض أن يتم مباشرة بعد الاحتلال الاميركي للعراق عندما «شرعنه» الدستور وتسابقت النخب السياسية والحزبية (ولا تهمل الدينية) التي جاءت على ظهور الدبابات الاميركية, كي تجد لنفسه «مكاناً» في العراق الجديد, الذي غرق سريعاً في الفساد والمحاصصة الطائفية والمذهبية والعرقية.
يصعب القول أن برزاني عاد بخفي حنين من انقرة, لان الفضل هنا سيعطي لاردوغان الذي يلعب لعبة مزدوجة وخبيثة، عبر الاعلان عن معارضة انقرة لاستقلال كردستان, في الوقت ذاته الذي يوفر لها حماية متعددة الاوجه اقتصادية وسياسية وخصوصاً امنيّة, اضافة الى استخدامه ورقة برزاني «الاستقلالية» لتخويف أو اقلاق طهران وبغداد, فضلاً عن توظيفه برزاني نفسه ضد عبدالله اوجلان وحزب العمال الكردستاني, الذي بات الحوار معه «غير» محظور قانونياً، بعد اقرار قانون في البرلمان التركي يُشرعن الاتصال مع «الارهابيين».. لأن الايام القليلة التي تسبق استحقاق العاشر من آب المقبل (انتخابات الرئاسة) ستشهد حوارات مع الـ PKK بهدف ضمان تصويت كرد تركيا لاردوغان في الجولة الثانية.
تراجع برزاني التكتيكي عن الاستفتاء, يعكس الحال الصعبة التي يعيشها العراق والارتباك الاميركي ازاء ملفات المنطقة, التي ما ان تتفاءل بقرب اطفاء حريق ما حتى ينشب حريق أشد هولاً واكثر كشفاً لانحدار وتراجع الدور الاميركي وهشاشة دول المنطقة, اضافة بالطبع الى تقلّص هامش المناورة امام معظم اللاعبين الاقليميين, الذين ظنوا ان ادوارهم ما تزال كبيرة وان اصواتهم ما تزال مسموعة، فاذا بها في النهاية مجرد اوهام اقتربت الحقائق الميدانية من تبديدها.. ويمكن للمرء ان يتطلع الى ما يجري في غزة او فيينا حيث حوارات مجموعة (5 + 1) مع ايران, دون إهمال تداعيات الملف الليبي ودائماً في تصدر الحوثيين المشهد اليمني بأبعاده الاستراتيجية الخطيرة.
هل يطول صمت برزاني وتخفّ تهديداته؟
الامر مرهون بما يحدث في.. «الميدان» وليس بالضرورة.. البرلمان.
(الرأي)