أثار قرار الجامعة الأردنية القاضي برفع الرسوم الجامعية في برامج الموازي والدولي والدراسات العليا في الجامعة لغطا كبيرا وجدلا واسعا في الأوساط الأكاديمية والطلابية والنيابية والشعبية، ومع التأكيد على أن حق التعليم، في الدول المقتدرة ماليا، يجب أن يكون برسوم ميسرة على الفئات الشعبية جميعها(إن لم يكن مجانيا بالكامل)، إلا أنه يجب الالتفات إلى عدة قضايا تجعل قرار الجامعة أيسر فهما لكل مهتم ومتابع.
إن التعليم الجامعي الرسمي في الأردن بحاجة سنويا لزهاء 700 إلى 800 مليون دينار كنفقات، والحكومة لا تسهم سوى ب 54 مليون دينار منها. الأمر الذي يفرض على الجامعات تأمين مصادر تمويل بديلة وذاتية، والأردنية أم الجامعات وأكبرها أحق بأن تدافع عن استمراريتها ونهوضها بأعباء التعليم الجامعي في الأردن.
إن قرار رفع الرسوم لم يطل الطلبة الجامعيين الملتحقين بالبرنامج العادي التنافسي، والذين يشكلون ما نسبته 85 بالمئة من الملتحقين بالتعليم العالي. وفي هذا تقدير لمن اجتهدوا في دراستهم الثانوية وفرضت معدلاتهم فيها التحاقهم بالبرنامج العادي دون الموازي(فقبل المطالبة بإبقاء الرسوم المستوفاة على حالها كان الأجدر بالطلاب الأعزاء بذل مجهود دراسي أكبر يوفر عليهم وعلى ذويهم مشقة الالتحاق بالبرنامج الموازي).
إن تصويب الأوضاع المالية للجامعة، لاسيما في الظروف الاقتصادية العالمية والمحلية الراهنة، أصبح ضرورة لا مفر منها، فقد أظهرت دراسة أجرتها الجامعة حجم الخسائر الهائلة التي تتعرض لها بعض البرامج الموازية في بعض الكليات بسبب تدني الرسوم المحددة سابقا لهذه البرامج والتي لم يُعَد النظر فيها منذ أكثر من خمسة عشرة سنة لبعض التخصصات. علما أن طلبة الموازي لا يشكلون أكثر من 30 % من طلبة الجامعة. والجامعة الأردنية تتحمل خمسين بالمئة من كلفة برامج الدراسات العليا والموازي والدولي، الأمر الذي يرهق الموازنة ويتسبب باستمرار العجز فيها.
الادعاءات التي يسوقها المعارضون لقرار رفع الرسوم في الجامعة الأردنية، وفي جزء كبير منها مجافية للحقيقة ولا تهدف إلا لذر الرماد في العيون، فوصم فرع الجامعة الأردنية بالعقبة بالفشل اقتصاديا أشبه ما يكون بالاختفاء خلف الأصبع، فلم يكن مطلوبا من فرع جامعي وليد يخدم المجتمع الطلابي والمحلي في الإقليم الجنوبي بأكمله أن يكون شركة ربحية تجني الأموال الطائلة في فترة زمنية وجيزة، كما أن الإشارة السلبية إلى الدعم السنوي الذي تقدمه الجامعة الأردنية لمشفاها (على محدوديته) يُغفل ما يقدمه المشفى لقاء هذا الدعم من علاج لطلاب الجامعة وهيئتيها التدريسية والإدارية المؤمنين فيه. كما أن الخطب الإنشائية التي يخرج علينا بها بعض المتنطعين من شاكلة أن رئاسة الجامعة تهدف إلى جعل التعليم في الأردنية حكرا على أبناء الأغنياء دون الفقراء يتناسى، وعن سبق إصرار وترصد، كيف تنازلت الجامعة قبل أربعة اعوام عندما كانت تحقق فائضا في ميزانيتها عن الدعم الحكومي لصالح جامعات الجنوب، كما أنه لا يلتفت إلى حقيقة إحصائية مفادها أن أعداد الطلبة الذين تقدموا للالتحاق ببرنامج الموازي والدولي وبرامج الدراسات العليا عقب قرار رفع الرسوم بلغت حدودا غير مسبوقة على امتداد تاريخ الجامعة الطويل.
لا بل إن بعض المتحذلقين يغمز من قناة أن الجامعة خسرت كثيرا من مدخراتها في المضاربة بأسواق البورصة وعليها أن تتحمل جريرة ذلك ولا أدري إن كان ثقب في السفينة تسببت به ظروف اقتصادية عالمية خارجة عن سيطرة القبطان يبيح إغراق السفينة أو إخراجها من الخدمة.
رئاسة الجامعة، وعلى لسان رئيسها الأستاذ الدكتور اخليف الطراونة، أكدت أن قرار رفع الرسوم الدراسية لا يشمل الطلبة الموجودين حاليا على مقاعد الدارسة ولا الطلبة الذين سيقبلون في السنة الدراسية المقبلة ضمن برنامج القبول الموحد، فالزيادة على الرسوم محصورة بطلبة الدراسات العليا والموازي والدولي فقط. كما أنها أعلنت البدء باتخاذ خطوات استثمارية ذاتية بالتزامن مع قرار رفع الرسوم يتوقع منها أن تسهم في سد عجز الموازنة، ومنها:
• مطالبة الحكومة بتخصيص دعم مجزٍ للجامعة.
• التفكير الجاد لدى إدارة الجامعة في استثمار جزء من قطعة الأرض المقامة عليها الجامعة من الناحية الشرقية الشمالية.
• إنشاء مستشفى خاص في المنطقة الجنوبية من الجامعة بالقرب من المستشفى التعليمي القائم حاليا والمراكز الطبية المتخصصة، بقدرة استيعابية ستصل إلى مئتي سرير، و إقامة موقف سيارات مدفوع الأجر لخدمة القرية الطبية.
• إقامة فندق أربعة نجوم مع قاعة مؤتمرات ومساكن للطلاب والهيئة التدريسية على أراض غير مستغلة دون التأثير على الأراضي الخضراء، في القسم الجنوبي بالقرب من القرية الطبية.
• إقامة مول تجاري في الجزء الشمالي من الجامعة للاستفادة من التجمع السكاني.
بقي أن أقول إن رئاسة الجامعة مطالبة وعلى هامش قرار رفع الرسوم بأخذ الأوضاع الاقتصادية المريرة التي يعيشها المواطن الأردني بعين الاعتبار، وكذلك النزوع الهائل لدى أولياء الأمور نحو أن يتلقى أبناؤهم التعليم الجامعي التخصصي اللائق والمنافس، وهذا يتطلب تفعيل الطرق والوسائل كافة التي من شأنها تخفيف الحمل عن الطلبة الفقراء غير القادرين على تحمل نفقات الدراسة، والتركيز على صناديق الإقراض الجامعي وتشغيل الطلبة الجزئي وإعفاء الأوائل من رسوم الدراسة، وإن لم يكن الأمر كذلك فلنا على بداية العام الدراسي الجديد مقال آخر يُنصف مَن يستحق الإنصاف ممن ظلمه.