رمضان .. تصحيح مفاهيم (6)
بلال حسن التل
16-07-2014 05:04 AM
هل نحن فاعلون؟
ونحن نتحدث عن تصحيح المفاهيم المتعلقة برمضان، علينا أن لا ننسى أن رمضان جزء من منظومة عبادات متكاملة، لا يكتمل إسلام المرء ما لم يقم بها عن قناعة ووعي وفَهْم، وهذه العبادات يكمل بعضها بعضًا، وتشترك جميعها في صياغة الشخصية المسلمة، تحديد ملامحها وصفاتها، من خلال فهمها لمغازي العبادات الإسلامية، التي هي ليست مجرد طقوس وحركات تؤدى، لكنها مدرسة تربوية متكاملة تفضي جميع أركانها لذات الهدف، إن أحسن المسلم فهمها.
وأول ذلك أن يلتفت المسلم إلى مغازي ارتباط العبادات الإسلامية بمواقيت دقيقة، ابتداءً من الصلوات التي لكل منها وقتها المحدد. وكذلك الصيام الذي فرض على المسلم أيامًا معدودات، فعبادة الصيام المفروضة لا تجوز بغير شهر رمضان، إلا إذا كانت نافلة أو قضاء، كما هي حال الصلاة في غير وقتها الشرعي المحدد، ومثل الصلاة والصيام كذلك الحج الذي لا يجوز بغير وقته المحدد من شهر ذي الحجة، ومثل الصلاة والصيام والحج، كانت الزكاة ركنًا سنويًا مشروطًا بتمام الحول على المال، الذي تجب عليه الزكاة.
إن هذه الدقة في مواقيت العبادات الإسلامية تنبه المسلم، بل تربيه على أمرين جوهريين في حياته، أولهما: أهمية الوقت، وضرورة استثماره بقيام الإنسان بشروط خلافته على الأرض وإعمارها، واستثمار كل لحظة من حياته في أداء مهمة الإعمار. لذلك فإن من أول ما يسأل عنه المرء يوم الحساب: عمره فيما أفناه. فأين هذا المغزى من مغازي العبادات في الإسلام مع تعاملنا مع الوقت في حياتنا اليومية، وقد شاع على لسان شرائح واسعة منا مصطلح «تضييع الوقت». وما علم من يضيع وقته أنه يضيع عمره، ويصرف رأس ماله الحقيقي بما لا يفيده، بل بما يضره؟.
لقد سبق الإسلام المدنية الغربية في التنبيه لأهمية الوقت وقيمته، فإذا كانت المدنية الغربية قد رفعت شعار «الوقت هو المال» فإن الإسلام قد سبقها، وتقدم عليها في مفهوم الوقت وقيمته عندما جعل استثماره في الإعمار عبادة، فهل يفقه المسلمون دينهم، ويرتقون إلى مستوى مفاهيمه، ومن بينها احترام الوقت وهم يؤدون عباداتهم؟.
أما الأمر الجوهري الثاني الذي تعلمنا إياه دقة المواقيت في العبادات الإسلامية، فهو النظام والانضباط. ذلك ان التزام المسلم بمواعيد صلاته وصيامه وحجه وزكاته، يلزمه بأن يكون منظمًا في كل شؤون حياته وحساباتها وأوقاتها، حتى لا تفوته مواقيت عباداته، ولا تختل موازين أنصبتها مثل الزكاة.
غير دقة المواقيت التي تتصف بها العبادات في الإسلام، وهي الدقة التي تدرب المسلم على حسن استثمار الوقت وعلى النظام والانضباط، فإن العبادات الإسلامية أيضًا تربي المسلم على روح الجماعة، بكل ما في هذه الروح من معاني التضامن والتكافل والتواصل. لذلك كانت صلاة الجماعة أفضل بدرجات من صلاة الفرد. وصلاة الجماعة تمتّن أواصرَ العلاقة بين رواد المسجد الواحد، وتنشر بينهم المودة والتراحم القائم على التعارف، الذي هو مقصد من مقاصد الجعل البشري، وعندما تنشر علاقة التواصل والتوادد والتراحم بين رواد المسجد، تصبح سمة المجتمع كله.
ومثل الصلاة، فإن الصيام هو الآخر ينمي روح الجماعة في الأمة كلها، عندما تمسك عن الطعام والشراب في لحظة واحدة، وعندما تقبل على فرحة الإفطار في لحظة واحدة، وما بين الإمساك والإفطار يشعر غنيهم بفقيرهم، وسليمهم بسقيمهم، وهو أمر آخر يعزز مع روح الجماعة روح التواصل والتراحم في المجتمع، وبين أبناء الأمة، ومثل الصلاة والصيام. كذلك الحج.. هذا الموسم السنوي الذي يتنادى إليه المسلمون من كل فج عميق في نفس المواقيت، وفي نفس المشاعر، ليغرس فيهم روح الجماعة وينمي بينهم أسس التعارف وقيم التراحم.
على أن أهم ما يجب أن نفهمه ونحن نؤدي عباداتنا كمسلمين، أن العبادة في الإسلام ليست حركاتٍ وطقوسًا، لكنها مدخل لنظام أخلاقي يجب ان ينعكس في سلوكنا اليومي، آناء الليل وأطراف النهار. لذلك ارتبطت العبادات في الإسلام بالنهي عن الرفث، والفسوق، والجدال، والصخب، وقول الزور.. وقبل ذلك كله الابتعاد عن أذى الناس، وفي الأحاديث النبوية: انه من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له، وفي الآيات والأحاديث نهي واضح عن الرفث، والفسوق، والجدال في الصيام والحج.. كل ذلك يؤكد أن العبادات في الإسلام تشكل مدخلاً لنظام أخلاقي متكامل يجب ان يلتزم به المسلم في كل تفاصيل حياته.
كثيرة هي مغازي ومفاهيم العبادات في الإسلام التي ترتقي بها من مجرد حركات وطقوس، إلى قيم ومفاهيم تشكل نظامًا أخلاقيًا متكاملاً يرتقي بسلوك الفرد والمجتمع. غير أنه يجب أن لا يفوتنا ونحن نتحدث عن العبادات في الإسلام الوقوف عند ارتباط العبادات في الإسلام بشرطين أولهما: شرط القوة والقدرة والاستقرار.. فليس عبثًا أن الإسلام يخفف عن المسلم جزءًا من عباداته بل ويسقط بعضها كليًا إن لم يكن المسلم قويًا قادرًا على أدائها، أو انه غير مستقر كقصر الصلاة في حالتي السفر والخوف، وتأجيل صيام المريض والمسافر وكعدم الحج لمن لا يستطيع. أما ثاني الشرطين فهو: النظافة كشرط أساس لكل العبادات الإسلامية، وهو الشرط الذي لا تقوم عبادة إسلامية بدونه، ابتداءً من ركن الشهادتين، مرورًا بالصلاة، والصيام، والحج، وهذا الشرط من شروط العبادة في الإسلام لا يقتصر على النظافة الخارجية للمسلم وبيئته.
بل لا بد من ان يمتد إلى طهارة النفس من خبائث الحقد واللؤم والضغينة والحسد وزلاّت اللسان، وهذا يعني ان من بين أهداف العبادة في الإسلام، قيام المجتمع القوي النظيف الذي يساهم رمضان في بنائه إن نحن صححنا مفاهيمنا عن مقاصد الصيام. فهل نحن فاعلون؟.
(الرأي)