على الصواريخ نُفطر! .. *ناهض الوشاح
15-07-2014 04:21 AM
أينما تُولّي وجهك فثمة صاروخ يسقط على الأرض وثمة شهيد يصعد إلى السماء ... دخلنا المعمعة رُغما عنا ، أين المفر؟ البحر من أمامكم والعدو من خلفكم ... لكن ثقة طارق بن زياد بالله كانت أعمق من كل البحار وأقوى من كل الجيوش فانتصر على عدو مازال نسله يطاردنا في عُقر ديارنا .
مدينة كل الجروح الكبيرة ... مدينة البأس والقوة ... مدينة التحدي والإصرار ... مدينة النار والانتظار ... مدينة الموت والميلاد والشهداء ... غزة يا جرحا ينزف ولا أحد هناك سوى حفنة من الهياكل العظمية تتقمص دور جنرالات مزعومة وتملأ الصمت كفرا .
حناجرنا أحبال غسيل مدلاة على انتصارات مزعومة ورجولة تظن أنّ من يملك عضوا ذكريا صار عنترة ... غرقى حدّ الثمالة في وحل الابتذال والرجاء والدعاء بصوت خافت رب انصرهم على عدوهم ... قلوبنا معهم وعيوننا على الشاشات تنتظر سقوط بيت فيه طفل ماتت أمه بجانبه .
لوعة تذرفنا في كل عام بمثل هذا الوقت من السنة ... نُمرغ رؤوسنا في وحل الصمت ونحن ندّعي أنّ المدينة ليست لنا ... واليهود يريدون إبادتها عن بكرة أبيها ... لا يهمنا سوى جمع بعض فتات أموالنا لإرسالها إلى غزة حتى تستطيع الصمود أكثر ... غزة صامدة رغما عنا ... فنحن لا نصلح حتى للهتاف لأن حناجرنا مسدودة من كثرة الطعام وشُرب العصير البارد .
أي جيل سيأتي بعد هذا؟ ... ليبصق على جيل أنهكه التمسح بجدران العار والهتاف الناشف على المنابر في المساجد الأنيقة ... الأمور تسير بالعكس ... لأن يُسفك كل الدم الفلسطيني أهون عندنا من هدم الكعبة ... ليت الكعبة تُهدم ولا يمتلئ البحر بدم الأبرياء .
لا أستثني نفسي من كل الجمل الثورية التي نسيتني بمجرد خروجي من مدينتي ... خرجت مرتين مرة من الأندلس ومرة من فلسطين والشبه بين الاثنتين كبير ...أبكي مُلكا ضاع لم أحافظ عليه مثل الرجال الأحرار .
معذرة منك أمي ومثلي ليس يعتذر وأنت تقولين لي لم يترك اليهود لي شيئا أذكرك فيه ... جاءت مجموعة ملثمة طلبت منا إخلاء البيت خلال عشر دقائق ... لا تسعفني عشر سنوات من إخلاء ذكرياتي وكتبك من البيت خرج إخوتك وهم يحملون أي شيء بأيديهم ... أقلامهم ... ورقهم ... خبزهم ... وما هي إلا دقائق لم يذكرها المؤرخون في كتبهم حتى كان الصاروخ يسقط على بيت انتظرت عودتك إليه أنت وأبناءك .
أي حلم يصبح كابوسا حين تقف على مشهد بيت بنيته من عرق جبينك ليصبح رمادا أو أنقاضا لا تبحث تحته سوى عن هوية ربما ما زالت موجودة في تلك العلبة القديمة التي تضم صورك في الطفولة .
مصيرك أن تحيا في المنفى ... ومصير الكتب التي تركتها في وطنك تحت الأنقاض ... أشعار المتنبي ... الأغاني ... العقد الفريد .... المخطوط القرمزي ... حتى آخر قصيدة كتبتها ... كل الشعوب تفنى دون تُرابها في عُرف كل الناس والأديان ...
من يحق له البكاء ... أنا أم أنت ...؟ لا تبك يا ولدي ... الحمد لله نفطر في رمضان على سقوط الصواريخ على بيوتنا وصعود الشهداء إلى السماء ... لكن تذكر يا ولدي أننا اعتدنا على الموت وعلى الصواريخ وعلى الشهداء وعلى الهدم وعلى الحصار ... لكننا لم ننكسر ولم نعتد أن نكون فئران تختبئ في الجحور ...
عذرا منك يا أمي أنا لا أبكي ... أنا أنتحب وأنعى أرواحنا الذابلة وشعوبا عربية تملأ الصفحات الالكترونية رب انصرهم فليس لهم سواك ... إنا قاعدون هاهنا ...!