أمطرتنا الحكومة بتصريحات كثيرة ومتوالية بشأن عبء اللجوء السوري وأثره الكبير على الاقتصاد الوطني، حتى لم يبقَ مسؤول واحد إلا وتحدث عن تبعات ذلك.
وظلت الشكوى مستمرة، أيضا، من محدودية المنح المقدمة للأردن مقابل كلف هذا اللجوء؛ إذ قدّرتها بعض الدراسات الحكومية بأنها لا تتجاوز نسبة 50 % من الكلفة الحقيقية، التي تؤكد إحصاءات رسمية أنها تتجاوز 3 مليارات دولار سنويا.
في الأثناء، ظل الحديث عن تزايد أعداد اللاجئين قصة يومية يرصدها الإعلام. وقدّرت بعض الجهات عدد السوريين من إجمالي عدد السكان بحوالي 1.4 مليون نسمة.
وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية أيضا، تواصل الحديث الرسمي عن تأثير اللجوء على المجتمعات المحلية من دون توقف، خصوصا ما يتعلق بالتنافس على فرص العمل التي استحوذ عليها السوريون بسبب انخفاض أجورهم، ناهيك عن تراجع مستوى الخدمات المقدمة للأردني، من صحية وتعليمية، بسبب زيادة الطلب عليها، إذ يجلس عشرات آلاف الطلبة السوريين على مقاعد الدراسة في المدارس الحكومية، وأكثر منهم يتلقون الطبابة في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية أيضا.
كل ما سبق طبيعي. أما غير العادي، فهو أنه رغم الشكوى الرسمية غير المسبوقة من عبء اللجوء السوري، تأتي الأرقام بغير ذلك؛ لنكتشف أن نسب البطالة انخفضت إلى 11 % في نهاية الربع الرابع من العام الماضي، مقارنة بـ12.8 % في الربع الأول من العام نفسه. فكيف تفسر الحكومة هذه الأرقام، بعد أن شغل الأشقاء كثيرا من فرص العمل، حتى في قطاعات مغلقة؟
ورغم التأثير الكبير لعملية اللجوء على الوضع الاقتصادي العام، ومشكلة الفقر بشكل خاص، إلا أن الحكومة لم تكلف نفسها عناء قياس نسب الفقر في المملكة، لاسيما في إقليم الشمال، حيث يتواجد أكثر من 90 % من السوريين خارج مخيمات اللجوء.
أما بالنسبة لأرقام النمو السكاني التي لم تظهر رسميا بعد، وفي حال كانت حقيقية وتأخذ البعد السوري بالحسبان، فإنها ستتصاعد بمستويات تستنزف النمو المتحقق في مختلف القطاعات الاقتصادية.
الأرقام بحاجة إلى تدقيق ومراجعة، لتكون أكثر انعكاسا للواقع، فتُظهر التأثير الحقيقي لتواجد هذا العدد الكبير من السوريين على الأرض الأردنية. ولا يمكن للحكومة اليوم وضع خطتها الاقتصادية بعيدا عن العامل السوري.
وتبقى الحاجة ملحة لتفسير الأرقام السابقة، إن كانت حقيقية، وتحديدا فيما يتعلق بالفقر والبطالة.
وفي حال كانت دقيقة، فإننا نكتشف أن للجوء السوري خيرات وفوائد، بدليل تحسن المؤشرات الاقتصادية.
التشكيك بالأرقام حق طالما أنها غير منطقية. الأمر الذي يتطلب مراجعة هذه الأرقام، حتى تتشكل صورة صادقة بشأن أبعاد المشكلة، في محاولة لتشخيص حجمها، ووضع خطط واقعية لمواجهتها.
أما التعنت وإهمال الموضوع، وتحديدا أمام الجهات المانحة التي تضع خططها وموازناتها اعتمادا على الأرقام، فإنهما يقللان فرص الحصول على مساعدات تكافئ في قيمتها حجم الأثر المالي المترتب على تزايد عدد السكان.
ليست هي المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، التي تستدعي التشكيك في الأرقام، وتأَخر معالجتها جزء من المشكلة، فيما معايير القياس والإحصاء جزء آخر.
بالنهاية، 1.4 مليون سوري ليسوا خيالا أو وهما، وليسوا قصة كانت تحكيها الحكومة؛ بل هم جزء من الواقع الجديد الذي يفرض إيقاعه على الاقتصاد والأمن وغيره، ويلزم التعامل معه بواقعية تحمي من تبعاته على منظومة الأمن الشامل، وعلى رأسه الأمن الاقتصادي الاجتماعي.
(الغد)