حكومة الذهبي بعد 100 يوم? ما لها وما عليها
رنا الصباغ
09-03-2008 02:00 AM
قبل أيام أكملت حكومة نادر الذهبي مئة يوم اجتازت بجدارة امتحان تمرير حزمة القرارات الاقتصادية الأصعب خلال السنوات العشر الماضية بما فيها رفع الدعم عن السلع وتعويم أسعار المحروقات وتفعيل آلية إشكالية لتقديم الدعم المباشر للموظفين والأقل دخلا بأقل الأضرار السياسية أو الأمنية. بإنجاز تلك المهمة شبه "الانتحارية" في عالم السياسة, طبق الذهبي من دون تردد تحديا استراتيجيا اقتصاديا لإغلاق ملف الدعم الذي استنزف خزينة الدولة وذهب لغير مستحقيه لسنوات وبالتالي فاقم عجز الموازنة وحجم الاقتراض المحلي.
نفذ الذهبي وفريقه تحديا طالما تهربت منه الحكومات المتعاقبة إذ تخلى أسلافه أصحاب الدولة عن إكمال المشوار حتى النهاية بسبب عدم شعبيته وخوفا من امكانية اندلاع أحداث شغب ومظاهرات قد تخسرهم مقاعدهم, كالتي دارت في مدن وقرى عديدة عقب قرارات سابقة برفع أسعار سلع وخدمات.
ملف رفع الدعم المالي مر بسلام. لكنه أظهر مرة أخرى أن ضعف الحكومة يكمن إلى درجة كبيرة في صعوبة الوضع الاقتصادي المرشح لمواصلة التباطؤ في بلد يعتمد على المعونات الخارجية ويتأثر بأجواء عدم الاستقرار السياسي في الإقليم, كما لا يملك ترف التأثير في سعر النفط المستورد بل ينحصر خياره في التحكم بالطلب وتحسين إدارة موارده المالية وتخفيض النفقات الجارية وتقديم خدمات صحية وتعليمية مقبولة.
اليوم يستمر التحدي الاقتصادي الاجتماعي الأمني مع كرة ثلج الأسعار التي تتدحرج بلا توقف رافعة أسعار غالبية مكونات سلة الاستهلاك بين 10 و25 % قبل أن تدخل الوجبة الثانية من رفع أسعار الكهرباء وغيرها حيز التنفيذ.
أتى الغلاء على الأخضر واليابس, بدءا بقرص الفلافل وحبة البصل والبندورة ومرورا بالحليب وانتهاء بالحديد والاسمنت وأسعار النقل. متوالية ارتفاع الأسعار طحنت أكثر من 60.000 عائلة تصنف أساسا في خانة الجائعين, ما عدا أصحاب الدخل المحدود وغالبية موظفي القطاع الخاص ممن ينتظرون زيادة في الرواتب أسوة بموظفي الحكومة, وبقايا ما يسمى بالطبقة الوسطى - أساس الاستقرار في أي مجتمع.
فالجميع بات يئن تحت وطأة الغلاء المريع وتراجع القيمة الشرائية.
يحسب للرئيس أيضا أنه, منذ تكليفه في 22/11/,2007 نجح في إعادة المكانة الإدارية لرئاسة الوزراء وتكريس المفهوم الدستوري بأن مجلس الوزراء هو صاحب الولاية العامة من خلال سلسلة قرارات ومواقف سياسية أعلنها وتحمل مسؤوليتها.
هذه التصريحات ساهمت بتخفيف قناعات سابقة داخل الأوساط الشعبية والنخبوية وفي الصالونات السياسية العَمّانية أن حكومته معنية فقط بالملف الاقتصادي التنموي بينما يشرف الديوان الملكي على إدارة ملف السياسة الخارجية بتنسيق تام مع دائرة المخابرات العامة وبإشراف الملك في عالم إقليمي دولي متغير وسط تداخل الأمني بالسياسي.
تطور إيجابي آخر تمثل ببدء مشاركة رئيس الوزراء في الزيارات الملكية المهمّة وإدارة حوارات اقتصادية سياسية تنموية مستقلة كان آخرها رحلته إلى واشنطن مع الملك عبد الله الثاني. وقبلها شارك بلقاء قمة جمع الملك والرئيس المصري حسني مبارك حول خيارات السلام.
هذا التقليد كان شبه مغيب خلال السنوات الثلاث الماضية إذ كانت الوفود المرافقة تقتصر على الوزراء المعنيين بملفات الزيارة الرسمية فضلا عن رئيس وموظفي الديوان, وأحيانا كثيرة مدير عام دائرة المخابرات العامة.
نجح الرئيس في استثمار أول شهرين من رئاسته المليئة بالإحباطات الداخلية والخارجية لفتح حوارات معمقة طالت أبناء ووجهاء المحافظات وشرائح المجتمع لشرح أجندته واستعراض التحديات الاقتصادية التي تواجه البلد وتهدد أمنه واستقراره, بسبب عدم قدرة الدولة على مواصلة سياسات شبه رعوية وسط شح في الموارد الطبيعية وتكاثر سكاني مرعب وترهل بيروقراطي.
كانت الحكومة حصلت على ثقة قياسية في مجلس النواب في أجواء نقاشية اتسمت بأقل درجة من الصخب بخلاف التوقعات برفع أعضاء المجلس الجديد "العيار الخطابي" لكي يثبتوا أنفسهم أمام قواعدهم الانتخابية التي اختارتهم أخيرا. وفرّت له الحوارات المجتمعية والثقة النيابية غطاء شعبيا لتمرير قرار تحرير الأسعار.
وبذلك استطاع الرئيس اجتياز امتحان تحرير الأسعار الأصعب في تاريخ أي حكومة خلال العقد الماضي.
لكن بحسب ساسة ومراقبين فان نجاح الرئيس لا يعود حصرا إلى كفاءة فريقه- وأغلبه تكنوقراط غير مسيس بحاجة لتواصل وانفتاح اوسع مع محيطه لكسب الرأي العام - او قدرة غالبية الوزراء على إدارة دفة الصراع في غياب ملامح مطبخ سياسي لرسم السياسات. بل أن جزءا كبيرا منه يرجع إلى شخصية وأسلوب ومنهجية عمل الذهبي. وأيضا بسبب الدعم والحماية التي تحظى بها هذه الحكومة لدى القصر والمؤسسة الأمنية, ضمن واقع جديد يتسم بتقاسم الملفات الأساسية بين ثلاثة محاور رئيسية باتت تدير البلاد بإشراف وتوجيه الملك.
هذا التجاذب كان يلقي بظلاله على أولويات الأردن الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ويؤثر بشكل سلبي على أداء الدولة ويمس مصداقية الخطاب الرسمي حيال التحديث.
اليوم جرت مأسسة تقاسم الصلاحيات وأخمدت معركة الصراع على الصلاحيات ضمن ترتيبات يقبل بها الجميع - على الأقل مرحليا.
في هذه الأثناء يعكف مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية على تنفيذ استطلاع لتقييم أداء الحكومة بعد مرور مئة يوم على تشكيلها, أو ما بات يعرف بالمحطة الأولية ضمن تقليد بادر إليه المركز منذ العام 1996 كجزء من سلسلة استطلاعات يجريها لقياس شعبية الحكومات على فترات زمنية من عمرها.
بانتظار ظهور نتائج الاستطلاع المبنية على حقائق وأرقام خلال عشرة أيام, يعتقد ساسة ومراقبون أن التفاهمات الأخيرة داخل أروقة الدولة قابلة للاستمرار بسبب الأجواء الداخلية والخارجية الضاغطة. لكن على الرئيس اتخاذ سلسلة من الإجراءات لتقوية أداء حكومته في مواجهة مستقبل سيزداد صعوبة.
من بين الاقتراحات تقوية "كوريدور" التواصل بين الحكومة ومجلس النواب لحشد الرأي وشرح مواقف الحكومة من مشاريع قوانين "موروثة" سينظر فيها النواب. تفعيل التواصل بين السلطتين سيتيح للحكومة قراءة مقاربات نيابية حيال قضايا مطروحة مسبقا بطريقة أوضح تعينها على "تحضير مرافعاتها بصورة أفضل" لا سيما أن صوت بعض المفاتيح البرلمانية من أصحاب الخبرة بات اقوى من صوت الحكومة.
مثلا على وزير الدولة للشؤون البرلمانية أن يتحرك بصورة أكثر ديناميكية لفهم واقع التحالفات البرلمانية, لمساعدة الوزراء المعنيين بمشاريع القوانين محل النقاش أن يدافعوا عن ضرورات تغييرها بطريقة مقنعة وبصوت مسموع تحت القبة للتخفيف من حال الارتباك التشريعي الذي ساد أخيرا.
برأي الساسة, تحتاج الحكومة أيضا إلى إجراء تعديل بعد انتهاء الدورة البرلمانية لإخراج وزراء يحملون حقائب سيادية و/أو خدمية لكنهم باتوا عبئا على الرئيس بسبب ضعفهم المهني أو قلة الخبرة. كما ويفضل إعادة بناء "مطبخ سياسي "من خلال التعديل يساعد الذهبي على امتصاص الصدمات الأولية. ما يرشح من الداخل, على أي حال, لا يشي بأن لدى أصحاب القرار نية لإجراء تعديل وزاري قريبا.
يطالب ساسة ومراقبون رئيس الوزراء وطاقمه بالبدء بإصلاحات سياسية حقيقية من خلال تعديل قانون الأحزاب والانتخابات النيابية إضافة إلى إبداء مزيد من الانفتاح تجاه الصحافة والإعلام لشرح طبيعة تحديات مقبلة تهدد الأمن المجتمعي لا تقل صعوبة عن تحدي تعويم الأسعار في أجواء غلاء عالمي. فهناك تزايد معدلات الفقر وتوفير الطاقة البديلة, وزيادة الاستثمارات وخلق فرص عمل.
ثمة أمل أيضا بأن يتراجع الرئيس عن تعميم أصدره أخيرا يحظر على موظفي الحكومة تسريب أي وثائق الى الصحافة حول تجاوزات مالية وإدارية تحت طائلة المسؤولية القانونية ويستعيض عنه بتفعيل قانون حق الحصول على المعلومات وتطبيق القوانين لردع أي إعلامي يزعم انه قام "بالافتراء" أو ارتكب مخالفات تتعلق ببنود قانون المطبوعات والنشر والعقوبات وغيره من التشريعات الناظمة للعمل الإعلامي.
استمرار ترتيب البيت الداخلي سيساعد الحكومة على مواجهة تبعات محتملة لمتتالية ارتفاع الأسعار على المناخات الاجتماعية السياسية الأمنية في إقليم مقسوم بين المراهنة على الجواد الايراني, والحصان الاسرا-امريكي, ومن يبحث عن إمكانية التعايش مع المحورين لحماية المصالح المشتركة في عالم عربي أكثر استقرارا.