ما ذكره مسؤولون أميركيون لوكالة "رويترز" للأنباء، عن تردد وتحفظ أردنيين تجاه مشروع تدريب مقاتلي المعارضة السورية على أراضيه، يعكس شعور حلفاء واشنطن بعدم جدوى المقاربة الأميركية حيال الأزمة السورية.
في المرحلة الأولى من الأزمة السورية، كان الأردن يشاطر الإدارة الأميركية بعض أفكارها بشأن المعارضة السورية، وإمكانية تأهيلها وتوحيد صفوفها لتكون بديلا للنظام السوري. لكن مع مرور الوقت، تبددت هذه القناعة مع تنامي الخلافات في صفوفها، وخضوعها لإملاءات قوى إقليمية، وانحياز معظم الجماعات المقاتلة لصالح الحركات الأكثر تشددا في جسم المعارضة.
لم تستطع المقاربة الأميركية التي دعمها الأردن، والقائمة على فكرة دعم المعارضة المعتدلة، تغيير ميزان القوة على الأرض؛ لا بل إن جماعات مثل "النصرة" و"داعش" اكتسبت في السنة الأخيرة زخما أكثر من ذي قبل، فيما دخلت أطراف المعارضة المعتدلة في دوامة خلافات ونزاعات لا تنتهي.
ليس الأردن وحده، وإنما دول أخرى في المنطقة حليفة لواشنطن ومؤيدة بشكل أكبر للمعارضة السورية، أصيبت بخيبة أمل، ولم تعد تظهر أي اهتمام بدعم جهود تسليح المعارضة السورية.
وينبغي القول هنا أن حالة الفتور أصبحت سمة تطبع سلوك حلفاء طرفي الصراع في سورية؛ روسيا التي دعمت بقوة النظام السوري، منشغلة بالأزمة مع أوكرانيا، والخلافات مع الغرب. وإيران، الحليف الإقليمي الوثيق لنظام بشار الأسد، تواجه خطر الانفلات في العراق، وهي تصارع تحديا غير مسبوق يهدد نفوذها في واحدة من أهم ساحات النفوذ الإيراني.
"أصدقاء" المعارضة السورية ضربهم اليأس. وقد فرضت تطورات الأحداث في مصر والعراق تغييرا في جدول أولوياتهم: الموارد المالية موجهة لدعم نظام عبدالفتاح السيسي، والمخاطر المترتبة على بروز خطر "داعش" تأخذ الجانب الأكبر من اهتمامهم.
بمعنى ثان، يمكن القول إن الأزمة في سورية لم تعد تحتل المرتبة الأولى على أجندة القوى الدولية والإقليمية المتصارعة على المنطقة. تلك هي الحال عندما يتخذ أي صراع داخلي طابعا مزمنا، كما الوضع في سورية ومناطق أخرى في العالم.
وسط تراجع الاهتمام بالأزمة السورية، بدا قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما بتخصيص نصف مليار دولار لدعم المعارضة السورية مثيرا للاستغراب لدى عديد المراقبين والسياسيين في المنطقة؛ من حيث توقيته المتأخر، وجدواه في وقت أصبحت فيه جماعة مثل "داعش" تملك موارد مالية أضعاف هذا المبلغ!
بالنسبة للأردن، فقد كان ولفترة مضت، مهتما وبشكل جدي بدعم كل المحاولات التي من شأنها وضع حد للصراع في سورية. لكن مع فشل جميع المحاولات، السياسية منها والعسكرية، فإن جل اهتمامه في الوقت الحالي يتركز على التعامل مع الآثار الناجمة عن الأزمة السورية، وإدارة المخاطر المحتملة للصراع على أمنه الوطني. ولهذا، ليس مستغربا أن يتخذ موقف المتحفظ، أو حتى يرفض الدخول في دوامة التسليح من جديد، كما صرح وزير الإعلام د. محمد المومني أمس.
إن قدرة المنظومة العسكرية والأمنية الأردنية ليست بلا حدود. ومع انفتاح جبهة جديدة على الحدود مع العراق، يصبح من الضروري التفكير بواقعية لضمان تحقيق الهدف المركزي؛ حماية حدود المملكة من التعديات الخارجية، من دون التورط في صراعات المنطقة من حولنا.
(الغد)