فيما تتواصل عملية الابادة الجماعية التي ترتكبها دولة العدو الصهيوني في غزة, وسط صمت عربي مريب, أقرب الى التواطؤ منه الى أي «كذبة» اخرى, تتحدث بتلعثم مفضوح عن موازين القوى ومعادلة التحالفات والاصطفافات التي سادت المنطقة منذ كامب ديفيد الساداتي وخصوصاً بعد اوسلو الكارثي, يتظهر المشهد السوري الراهن على نحو اكثر وضوحاً, إن لجهة الانهيارات المتسارعة التي تحدث في صفوف المعارضة المسلحة والتصدعات البنيوية التي أصابتها, ما يحول دون قدرتها على الاحتفاظ بما تبقى من حاضنة شعبية (دع عنك الاراضي «المحررة») زعم المتمردون انها متوفرة لديهم, فاذا بها نتاج قمع وقتل وابتزاز وارهاب موصوف, أم لجهة الحال المتردية التي بات عليها ائتلاف اسطنبول الذي يقترب من لفظ أنفاسه والتحوّل الى هيكل كرتوني غير مقنع, لا يثير الحماسة, أو مواصلة الدعم الذي توفر له من قبل عواصم اقليمية ودولية التقت عند أوهامها وقراءاتها الساذجة, بأن وقت اقتسام «الغنائم» قد حان وأن «المسافة» الى اعادة ترتيب المنطقة وبما يخدم مصالح قوى الغرب الاستعماري ومن حالفهم في المنطقة, ليست طويلة وان الطريق الى ذلك يكمن في ايجاد معارضة «مستشرقة» ترطن بلسان عربي وذات اصول سوريّة, والباقي تتولاه الاجهزة الاستخبارية والغرف السوداء في السفارات والقنصليات ومراكز الابحاث والدراسات..
وفي الوقت الذي انتهى اجتماع ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الاخير في تركيا, الى رسم خريطة تحالفات «داخلية» جديدة, فإن ما تمخّض عنه الاجتماع من افتراق بين المجموعات والمكونات التي تم تجميعها داخله, يؤشر الى ان مصير الائتلاف لن يختلف - إلا في التفاصيل - عن المآل البائس والمثير للشماتة, الذي آل اليه مجلس اسطنبول الموصوف زوراً بالمجلس الوطني السوري, والذي تحوّل الى مجرد دكانة يجلس خلف طاولتها يساري تائب اسمه جورج صبرا, لم يعد يجد من يجالسه أو يهاتفه أو يعبأ برأيه, بعد أن ملأ الدنيا ضجيجاً وصراخاً, طالباً دعم «الثوار» بالسلاح النوعي كي يحوّلوا مسار المواجهة الى غير ما سارت عليه حتى الان, فاذا به مجرد صوت بلا صدى, فلزم الصمت واثر الاحتفاظ بما استطاع «التوفر» عليه من أموال, قيل عند «قبضها» بأنها مخصصة للثوار وعائلات الشهداء فاذا بها تتحول الى ارصدة وأسهم وبطاقات إئتمان وعقارات وسيارات وشقق فاخرة..
ثمة يساري «تائب» آخر، استدار اكثر من استدارة، ظناً منه انه احد, ان لم يكن اهم رقم صعب في المعارضة السورية ودائماً من خلال رطانته اليسارية التي لا تزيد عن كونها لغواً واستثماراً «ريعياً» لنضال تم المبالغة في تضخيمه, قبل ان «يهاجر» من سوريا وينخرط في لعبة الولاءات المتعددة تارة نحو اليسار ودائماً نحو اليمين ومغازلة اصحاب اللحى وخصوصاً الاخوان المسلمين, كي يتيحوا (لمجموعته) ان تتسلل الى «الائتلاف» ويكون بمقدوره ان يسافر الى موسكو وبكين وبخاصة باريس التي يقيم فيها, يتحدث في الفضائيات ويدلي بالتصريحات ويغرد تنظيراً ووعظاً، لكنه لا يكسب ولا يقنع احداً، حتى في كتاباته عبر الصحف التي تدفع بالدولار وتحتفي بالابن الضال, الذي عَرف في النهاية اين يستقر.. لكنه واصل البروز كالخاسر الاكبر في كل المعارك التي خاضها او سعى لافتعالها, وبدا ظاهرة في سماء المعارضات السورية، وكان آخرها اجتماع ائتلاف اسطنبول الاخير الذي تم خلاله ايصال هادي البحرة الى رئاسة الائتلاف خلفاً لأحمد الجربا، عبر صفقة موصوفة تمت بين الجربا ومصطفى الصباغ، خرج منها ميشيل كيلو الذي نتحدث عنه..
كيلو اصيب بخيبة امل كبيرة عندما تم «انتخاب» البحرة رئيساً للائتلاف فما كان منه الا أن شرع من فوره, بالعمل على «انشاء تجمع وطني سوري تكون له توجهات ديمقراطية حقيقية ويشكل بديلاً للائتلاف كجسم سياسي انتهت صلاحيته»..
الرجل اظهر مواهب لافتة في لعبة التفكيك والتركيب ينتقل من اسم مغر وبراقّ الى آخر، يحمل يافطة هناك ويُخرج من تحت ابطه-كما الحواة-يافطة اخرى، لكنه لا يُقلع ولا يُقنع، يوزع الاتهامات هنا وهناك, ثم لا يلبث ان يبتلعها اذا ما عُرضت عليه «جزرة» ما، فأحمد الجربا الذي سافر كيلو بمعيته مرارا، بات الآن في نظره «يعمل على احتكار قيادة الائتلاف، رغم انتهاء صلاحياته من خلال مواصلة السلطة بالوكالة عبر انتخاب هادي البحرة رئيساً للائتلاف, ثم استطرد (كيلو).. «ان الفترة التي امسك فيها الجربا مفاصل القرار داخل الائتلاف هي الاكثر سوءاً في زمن المعارضة السورية».
بمقدور من يريد الاستزادة من «درر» ميشيل كيلو, ان يعود الى تاريخه «النضالي» منذ ان التحق او أُلحق بمعارضة أصدقاء سوريا, ليكتشف حجم الانحدار المتسارع في مسيرة نموذج «حيّ» للمعارضات السورية, التي قادت عملية تدمير سوريا, كيانا ودولة وشعباً وحضارة, خدمة لمشروعات مشبوهة وارتهاناً لارادة اجنبي غير معني الا بمصالحه..
انها تجليات الإفلاس الاخلاقي والسياسي على «أبهى» صوره القبيحة.
(الدستور)