لذة القتل: غزة أحدث الأمثلة
طلال الخطاطبة
13-07-2014 06:06 PM
لم يعد المرء يحار كثيراً من هذه الأمواج المتلاحقة من القتل التي ابتلى الله هذه المنطقة في الفترة الحديثة من عمرها منذ أن سقطت بغداد، بل ما يحير المرء أمر آخر. و هذا الأمر لا علاقة له طبعاً بمن يدعم ماكنة القتل هذا مادياً أو فكرياً؛ فهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى في سورة البقرة " وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ (12(، مع الفارق أن من هؤلاء من يشعر بفساده و يمارسه عن سبق إصرار. لكن الأمر المزعج في هذا هو التلذذ و الاستمتاع بالقتل الذي نشاهده و الذي (للأسف) وجد له من يشاهده على وسائل الاعلام؛ و هذا ساعد في انتشاره.
فمن كان يستمتع بمنظر الذبح (سواء كان القاتل أو المشاهد) على التلفزيون لمن قيل أنهم الجنود الأمريكان و وضع رؤوسهم على جثثهم بعد التكبير عليهم هم أنفسهم من أصبحوا يقتلون بعضهم بعضا على الهوية بعد قرب الاستقرار بالعراق بحجة المذهب و طبعا يدعمهم الاعلام و اليوتيوب.
لا أتحدث عن القتل بالمعركة طبعاً التي تفرض على البلد، و لكني اتحدث عن اللذة التي تنتاب القاتل أو المجتهد سمه ما شئت. و لقد قادني التفكير بموضوع اللذة هذا إلى الرجوع بالذاكرة إلى جملة قيلت بفلم لورنس العرب ( Lawrence of Arabia) عندما عاد للقاهرة ليقدم تقريره للجنرال اللنبي عن الثورة العربية ضد الاتراك. و بعد التقرير طلب إعفاءه من المهمة؛ و عندما طلب الجنرال تفسيراً لطلبه قال له: أنه قتل اثنين من العرب كانا ذا فضل كبير عليه شخصياً و عندما قال له لا مشكلة فهذه تحصل و لا تستحق التخلي عن المسؤولية قال أنه يستقيل ليس للقتل نفسه و لكن للشعور الذي راوده بعد قتلهم و هو أنه استمتع بذلك ( I enjoyed it ) و لم تفت الجنرال الذكي أن لورنس إنما يقدم له ميزة إضافية لشخصيته تضاف لسيرته الذاتية، فالتقطها الجنرال و تمت ترقية لورنس و عاد ليقتل بيده و يستمتع بالقتل.
هذه التلذذ الغريب بالقتل أصبح يمارس بشكل ملفت للنظر ببعض الدول التي اجتاحتها موجات الربيع العربي كما حدث كما هو الحال في ليبيا و اليمن و ما يجري في سوريا و ربما سيعود إلى العراق، و أكثرها شهرة الطريقة التي قُتل بها الرئيس الليبي معمر القذافي.
أما أردنياً فقد انعكس هذا على سلوك القتلة المدنيين بما أننا و الحمد لله ما زلنا خارج نطاق الربيع العربي. فقد أصبح من الطبيعي أن نسمع عن القتل بالأخبار اليومية بين جريمة هنا و جريمة هناك لكن من غير الطبيعي أيضا هو ارتفاع منسوب التلذذ و الاستمتاع بالقتل كحادثة قتل الرجل و التمثيل به أمام أسرته، و حادثة قتل المرحومة نور العوضات و قتل المرحومة بتول حداد و غيرها من الجرائم البشعة.. هل هناك شك بأن القاتل لم يكن يشعر باللذة و هو يمارس هذا القتل المرعب.
و إن كانت الأمثلة السابقة هي نتاج فوضى ظرفية ببلد ما، فإن ما يجري في غزة العزة ( أحدث الأمثلة) هو نتاج لذة منظمة برعاية الدولة الاسرائيلية؛ فهل ما جري من خطف و قتل للثلاثة إسرائيلين يبرر كل هذا الدمار الذي تشهده غزة من قتل لأبنائها و تدمير لبنيتها. هل هذا الجبروت بالبطش الذي قال الله عنه في عاد قوم هود عليه السلام " و إذا بطشتم بطشتم جبارين". ما هذا!! طيران و مدفعية و أساطيل بحرية !! هل لهذا تفسير غير التلذذ المنظم للقتل.
و في الحقيقة أن هذا البطش المنظم الجبار ( اللذيذ بالنسبة للمحتلين) يجعلني أشك بأن من قام بقتل الصهاينة إنما قدم لهم السبب لكل هذا حتى ينكثوا باتفاقياتهم مع الرئيس عباس و وعودهم له.
إن القتل يا سادة إنما فرضه الله قصاصاً أو جهاداً لردع ظلم أو رد عدوان و لكنه في كل الحالات لم يشرع لنا التلذذ بفعل القتل نفسه لنرويه لأجيالنا جيلا بعد جيل ليعطي الفرصه للخلف ليفهمه على طريقته فيتفنن و يتلذذ بقتل البشر.
ختاماً، إذا كانت مشكلة التلذذ بالقتل عند الأفراد تُعالج عند طبيب نفسي؛ فمن يعالج جنون الدول؟