قراءة حول غزة القابضة على الجمر
د.حسام العتوم
12-07-2014 01:02 PM
ليست هي المرة الأولى التي تعتدي فيها (إسرائيل) المعروفة بهمجيتها ونازيتها التي ورثتها عن عصابات الهاجاناة (1921/1939) وتعلمتها من دروس أدولف هتلر وموسوليني (أبان الحرب العالمية الثانية 1940/1945)، على قطاع غزة وعلى الشعب الفلسطيني المناضل والبطل عموماً أو حتى على العرب، وممارستها العنصرية عليهم، ومنحها لحق العودة لليهود فقط وتهميش أهل فلسطين وحقهم ا لأصيل بذلك، والعمل ليل نهار تحت سراج توراتهم المزورة لطردهم من وطنهم التاريخي حيث كان يعيش أجدادهم، بينما اليهود الشتات لهم كل (الحق!) و(التاريخ!) و(الدين!) و(الحاضر!) و(المستقبل!)، فلقد احتلت (إسرائيل) فلسطين مرتين بقوة السلاح وبعد التفافها في المرة الأولى عبر لوبيها الصهيوني على عصبة الأمم المتحدة، وهي القادمة أصلاً إلى فلسطين من وسط غرفة عمليات مؤتمر هرتزل 1897، فكان الاحتلال الأول عام 1948 والثاني عام 1967 وهو الذي شمل غزة المدينة الساحلية والقطاع ذو المليون نسمة الآن، وهي نفسها أي (إسرائيل) شارون التي انسحبت منه عام 2005 من دون توقيع ميثاق سلام معه، ثم عادت وهاجمته عام 2008 وتسببت في استشهاد حوالي (1500) من أبنائه من بينهم (412 طفلاً)، وهاهي هذا العام 2014 تعاود هجومها الشرس والوسخ على غزة مكررة نفس الحجج الواهية المتركزة على نقل الإرهاب من طرفها وتبرئة ذاتها منه وتمارس القتل الجماعي علانية.
غزة ليست دولة مدججة بالسلاح الثقيل وهي ساحة جغرافية منبسطة مكشوفة وتقر بعدم توازنها عسكرياً مع (إسرائيل) سارقة الحق والتاريخ والحاضر والمستقبل المجهزة نفسها عسكرياً لمواجهة جيوشاً جرارة في وقت هي فيه جبانة ومرعوبة من صواريخ صنعت يدوياً، وبينما هي غزة معقلاً لحماس والجهاد تحتفظ لنفسها منذ عام 1991 بجناح للشهيد عزالدين القسام العسكري المؤلف من بضعة آلاف من المقاتلين بهدف الدفاع عن أهلهم والمساهمة في تحرير فلسطينهم عندما تناديهم وهو حق طبيعي للمقاومة تكفله أوراق الأمم المتحدة ومجلس الأمن وحقوق الإنسان، فماذا الان تحديداً من غزة وارتكاب جريمة جديدة إنسانية مدوية بداخلها؟
منذ صعود حماس الجديد إلى السلطة واشتراكها في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في رام الله برئاسة رامي الحمدالله تاريخ 3/6/2014 و(إسرائيل) قلقة لا تنام وأفاقت أمريكا من نومها حتى تشاركها القلق وعينها على الخلاف المصري مع حماس المنحدر من الخلاف مع الإخوان، وعدم قبول دول الجوار الفلسطيني من العرب لها بشكل رسمي وعلى شكل مكاتب سياسية في القاهرة أو عمان أو دمشق بسبب التعارض الدستوري، ورحيل زعيمها خالد مشعل إلى قطر إلى جانب مساعده موسى أبومرزوق، وفي الوقت ذاته تعود إسرائيل لمصر السيسي لكي تكون وسيطاً دافئاً في التهدئة وفتح معبر رفح للمساعدات الإنسانية ومنها الطبية وبمساعدة الأمم المتحدة، والعين الأخرى لها على الوساطات السياسية والإقليمية والدولية بينما هي تواصل التصعيد وزيادة عدد القتلى ويدها على الزناد لفترة طويلة زمنية قادمة، وهي ربما لا تعرف بأنها كلما قتلت جيلاً ظهر لها آخر أشد تمسكاً بالحقوق الوطنية ورافضاً للتهجير.
(إسرائيل) تعرف اكثر من غيرها بأن المنطقة الشرق أوسطية من حولها ملتهبة سواء في سورية أو في العراق، وازدادت لهيباً بظهور تنظيم (داعش) المنشق عن تنظيم القاعدة الإرهابي رغم أنه لا يستهدفها باعتبارها (كياناً ودولة) عجمية لا تدخل في حسابات الدولة الإسلامية المزعومة التي تمتد حدودها إلى إيران وأسبانيا بينما هي أي (إسرائيل) رابضة قسراً على أرض فلسطين الشامية وترفض السلام الذي سعت إليه وسنجد في قادم الأيام أن المقاومة وليس أوسلو بانتظارها، وهي الآن تنوب عن (داعش) وعن (القاعدة) في تدمير أركان فلسطين، والغريب هنا أيضاً بأن القاعدة لا تستهدفها أيضاً في زمن تحدث فيه خراباً وسط بلاد العرب والمسلمين وتتاجر في ملفات أي قضية سياسية دولية تظهر، فهل من مصلحة (إسرائيل) المشاركة في إحداث فوضى في المنطقة وسط غياب الراعي الحقيقي للسلام؟ وما هو سبب غياب الدور حقيقي لمجلس الأمن وللأمم المتحدة؛ كتاب الاختيار لـ(زبيغنيو بريجنسكي، ص238) يقول: "... ستعرض أمريكا وجودها الخاص للخطر عندما تقرر بطريقة ما – كما فعلت الصين من اكثر من خمسمائة عام – الانسحاب فجأة من العالم، لأنها، خلافاً للصين، لن تكون قادرة على عزل نفسها عن الفوضى العالمية التي ستعقب ذلك الانسحاب مباشرة...، إن لم يكن قريباً جداً سوف تتلاشى السيطرة العالمية لأمريكا، لذلك فمن غير المبكر جداً على الأمريكيين السعي إلى تحديد شكل الميراث النهائي لهيمنتهم"، والجواب هنا نجده عند الفيدرالية الروسية التي بدأت تعمل من اجل عالم متعدد الأقطاب ومتوازن منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة من طرف واحد.
إن قصف البنية التحتية لغزة ولحماس لن يرضي (فتح) ولا رام الله في الضفة الغربية كما تعتقد إسرائيل حسب حساباتها الأمنية، ولن يرضي أمريكا نفسها التي باتت مزعوجة من تصرفاتها الحمقاء، والأصل في هذا الزمن الذي نعيش فيه أن يخصص للسلام وليس للحرب أو للاقتتال الداخلي والفلسطينيون جادون في البحث عن السلام العادل والشامل والمشرف إذا ما فاقت إسرائيل من غيبوبتها وعادت لصوابها، وتحاورت بعدالة ووجهاً لوجه معهم ومع العرب وعلى طاولة واحدة متوازنة؛ يقول المثل الروسي: (سلام ضعيف خير من حرب مدمرة)، والسلام يعني لنا التنمية الشاملة، والعيش والتعايش والاندماج الديني، والبناء المستمر خدمة لأجيال المستقبل، ونريد من مصر زعيمة العرب ومن الأردن ومن وسط معاهدتيهما للسلام مع (إسرائيل) ومن منبرهما السياسي المعتدل إقناعها وبعد اللقاء الذي جمع سيدنا جلالة الملك عبدالله الثاني مع نائب الرئيس الأمريكي بايدن مؤخراً بوقف تطاولها غير الأخلاقي وغير الإنساني المتكرر على قطاع غزة، فسلامها مع الفلسطينيين والعرب سيبقى مجروحاً وغير مقنع ما دامت تتهور تجاه الإرهاب والاحتراب والاقتتال والجريمة وتعمل من حيث لا تدري على استنهاض التطرف، وفي المقابل من يعتقد بأن (إسرائيل) يمكن أن تردعها الصواريخ فقط فهو مخطئ ما دامت علاقتها مع بلدان العرب متباينة بين سلام علني وخفي على مستوى الأنظمة، وما دامت الشعوب العربية غير قادرة على التوحد في إطار نظام سياسي واحد، ومن يعتقد أيضاً بأن صواريخ القسام يمكن أن تحدث انفجاراً نووياً في مفاعل ديمونة فهو مخطئ أيضاً بسبب قدرات المفاعل الاحترازية العالية في شتى الظروف والأحوال والتوقف عن العمل، وأخيراً ندعو الله أن يهدي (إسرائيل) طريق الصواب والسلام وأن يتوحد العرب.