النوايسة لـ عمون: الأمة تعاني أزمة عقل وحرية
12-07-2014 05:09 AM
عمون - حاورته يارا عويس - إنه عبير أقحوانة الجبل يفوح بالأصالة وعبق التاريخ، تشتم هيبة التراث الأردني في حديثه الموصول بالإبداع، فتقف صامتاً في حضرة تجربةٍ إبداعيةٍ متفردة، وروح متقدة بالعطاء بلا حدود، إنه الأديب والكاتب الأردني نايف النوايسة ضيف عمون الثقافي.
نايف النوايسة ابن الكرك المولود في مزارها الجنوبي عام 1947م، وعاش فيها، شغل عدة مناصب وظيفية منها في جامعة مؤتة وجامعة اليرموك ووزارة الثقافة الأردنية، وهو عضو رابطة الكتّاب الأردنيين وعضو الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب، ورئيساً لأكثر من هيئة ثقافية أردنية كونه أبرز الأعضاء المؤسسين لتلك الهيئات، أصدر النوايسة 21 كتاباً أدبياً بين القصة وأدب الطفل والرواية والنقد والمسرح، وله كتب سبع معدّة كمخطوطات جاهزة للطباعة، بالإضافة إلى اهتمامه بالتراث والتاريخ..
الحديث مع الأديب نايف النوايسة يأخذ المُحاوِر إلى أبعد من السؤال، ففي نظرته الثاقبة وبعده الفكري والفلسفي تجد لهفةً للبحث معه في شتى الأمور العربية وأمور الحياة، وتجد لديه ما يمكنك أن تبحر في مكنوناته من علم ومعرفة واطلاع شمولي، حيث كان لنا معه هذا الحوار:
* نبدأ من حيث انتهيت، فوز الأديب والكاتب نايف النوايسة في مسابقة صلاح الدين عن الشعر؟ هل لك أن تحدثنا عن هذا؟
- قبل اكثر من عقد وافقت بلدية الكرك الكبرى ومجلسها الثقافي برئاسة المهندس محمد المعايطة على تأسيس جائزة ثقافية تحمل اسم القائد المسلم التاريخي الناصر صلاح الدين الايوبي وتشمل الجائزة حقولا عديدة منها الادب، والجائزة موجهة لكل ابناء الاردن، وتُعرض مشاركات المتقدمين للجائزة على لجنة محكمين من اكاديميين ومن اصحاب الخبرة ويدير الجائزة منذ تأسيسها الاستاذ زياد القيسي، هذا العام تقدمتُ للجائزة بديواني الموسوم ب(ندهة الستين)، وانا سعيد جدا بهذا الفوز وأعتبره بمثابة تكريم من بلدية الكرك بعد رحلة ثقافية بدأتها سنة 1967م، والذي أسعدني أكثر هو مبادرة البلدية لتكريم الاديب والمثقف والمبدع أي كان في أثناء حياته، وهو ما أثمنه لبلدية الكرك ومجلسها الثقافي الذي افتخر بأنني احد اعضائه.
* كتبت في أغلب الاجناس الادبية فنجد لك في الشعر والقصة والنقد و... في اي جنس ادبي يصنف نايف النوايسة نفسه، واي هذه الاجناس اقرب اليك؟
- نعم كتبت في معظم الاجناس الادبية بالاضافة الى اهتمامي بالتراث والتاريخ، ولكنني من المخلصين جدا للقصة القصيرة، وانا شديد بكوني قاصا، وقد أصدرت حتى الان سبع مجموعات قصصية كان آخرها مجموعتي(الشمس من جديد) التي تقدمت بها كمشروع لجائزة التفرغ الابداعي في وزارة الثقافة عام2013م وهي من عشر قصص وقد صدرت هذا العام، اما حول تجربتي القصصية فبدأتها في أواخر سبعينيات القرن الماضي حين نشرت قصتي(قلب أمي) في مجلة افكار وهذه من ضمن مجموعتي(المسافات الظامئة)، وقررت وزارة التربية والتعليم منذ اكثر من ثماني سنوات ان تكون هذه القصة ضمن منهاج الصف الثامن الاساسي، واعمل الان على اصدار مجموعة قصصية جديدة عنوانها المقترح(ربيكا...)، فضلا عن ذلك فانني كتبت للاطفال مجموعتين ورواية، ولدي الان رواية جديدة للاطفال انتظر ان تفرغ الفنانة السعودية منى بلال من الانتهاء من رسمها حتى اطبعها.
* الثقافة العربية تعاني من أزمة، ماذا تقول لنا في هذا، وما هي الحلول برأيك لتخطي هذا؟
- الازمة التي تعاني منها الثقافة العربية هي ذات قطبين؛ القطب الاول متعلق بالعقل، والقطب الاخر متعلق بالحرية، ان الظاهر من حال امتنا العربية انها بعد افول حضاراتها الزاهرة واخرها الاندلس في انحدار مؤلم اول ما ضاع فيه المرتكز العقلي واصبحنا في معظم نتاجنا الثقافي والفكري نميل الى التقليد والوصف والتكديس والتسطيح مما جعل منا مرتعا خصبا لتجارب العولمة بكل اشكالها، ازمة الثقافة عندنا هي ازمة عقل، اما ضرورة الحرية في بناء الثقافة على اسسها القوية فهي مستنتجة من عمق تاريخنا الذي يقدم شواهد على دور الحرية كشرط رئيس لانتاج ثقافة جادة عميقة في كل المجالات، فإذا كان المفكر العربي المبدع لا يلاقي الاحترام والاهتمام في بلده فإنه إما يُهمّش او يُقتل او يضطر الى الهجرة، بمعنى ان هذا المفكر وجد نفسه مكبلا ويفتقد الحرية التامة لينقل فكره من مكامنه النظرية الى الواقع الملموس، ومن الثمار المرة لهذه الازمة هو بقاء الاستعمار برأسه القبيح في بلادنا وسعيه المتواصل لتحييد العقول العربية اما بالتهجير او التصفية كما حصل في العراق مثلا، عوّلت كثيراً على ما سمي (الربيع العربي) حتى نشهد ولادة انظمة سياسية تعيد الهيبة للامة ولثقافتها، ولكن الاستعمار واعوانه سرقوا نضارة هذا الربيع واحالوه مبكرا الى حالة موات مريعة.
* الحركة الثقافية الأردنية هل تراها تسير في اتجاهها الصحيح؟
- الحركة الثقافية في الاردن هي جزء من الحركة الثقافية في الوطن العربي، وترتكز الحركة الثقافية في الاردن الى عدة مرتكزات، اولاها العمق الحضاري العربي والاسلامي، والاردن بلد عروبي في هويته الثقافية ومكونات هذه الهوية لذلك يجده المراقب ملتزما بلغته العربية الفصيحة وتاريخه العريض ومنجزه الحضاري الذي يمتد لالاف السنين، والمرتكز الثاني الافق الانساني في بناء حركته الثقافية، ولن يجد المراقب منزعا عنصريا او طائفيا او دينيا او عرقيا او لونيا، وانما سيجد تنوعا ثقافيا منسجما مع العمق الثقافي الانساني، والمرتكز الخاص والملازم لهذه الثقافة هو التزام الاردن مشيميا بالقضية الفلسطينية، ويمكن ملاحظة انعكاس تأثيرات هذه القضية على مجمل مكونات السقف الثقافية وامتداداته، هذه المرتكزات والالتزام بها تجعلني اتيقن من يناعة الثقافة في الاردن مع اهمية وجود ضوابط نقدية لتصويب المسار الفني لهذه الحركة الصاعدة.
* الحركة النقدية في الأردن نراها أضعف من دول أخرى، هل من سبب وراء هذا؟
- نعم أشاركك الرأي بأن الحركة النقدية في الاردن ليست بمستوى مثيلاتها في الدول العربية الاخرى لعدة اسباب، السبب الاول هو تورط النقد بالاتجاه الانطباعي والاخواني اكثر من أخذه بالمنهج التحليلي الموضوعي لعدم وجود مناهج نقدية اكاديمية وذلك بسبب تأخر انشاء الجامعات الاردنية وولادة نقاد اكاديميين لهم اعتبارهم الان، اما السبب الثاني فهو الاعتماد بشكل رئيس على ما تقدمه وسائل الاعلام من اسهامات نقدية في معظمها تحوم على سطح المادة المنقودة ولا تتوغل في مكامنها، والسبب الثالث هو طغيان الجانب السياسي على الجانب الثقافي الامر الذي يخلق(حوزات سياسية حزبية) تطغى في حساباتها على ما يريده النقد الجاد، وكان واضحا في الاردن في مراحل كفترة السبعينيات، والسبب الاخير هو عدم قدرة ثمرات التكنولوجيا من مواقع اليكترونية وفيس وتويتر وغيرها من تبني نهج نقدي صارم يعيد بوصلة النقد للاتجاه السليم.
* تأثير العولمة ووسائل التكنولوجيا المتسارعة على النتاج الأدبي، بين السلب والايجاب أين تجده؟
- هناك تأثير كبير للعولمة في إعادة انتاج العالم ليكون قرية صغيرة واسمي ذلك ب(القرونة)، وتتوافق العولمة مع وسائل التكنولوجيا في تيسير الاتصال بين سكان الارض بانسيابية عالية، حتى اصبح جميع من يشهد الحياة في هذا الكون جيران، فلم يعد هناك حواجز ولا ممنوعات ولا سلطات تعترض الطريق، كما انها خففت من سطوة امبراطوريات الصحافة الورقية(الجرائد)، وهذا امر ايجابي، ولكن الخطورة في الامر هو الغاء الخصوصيات الثقافية بسبب رياح العولمة العاتية، ودخول الكثيرين في الساحة الثقافية بنتاج ضحل لا معنى ولا مبنى في كثير منه، وهذا ما يضعضع القيمة الموضوعية للسيل الجارف على واجهات المواقع الاليكترونية والتواصل الاجتماعي، وانا شخصيا لا أحبّذ نشر الابداع الادبي لا على الفيس ولا غيره اذا لم يحز الكاتب على ملكية فكرية حتى لا يعرض كتاباته للسرقة.
* هل ترى أن وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية تأخذ من الأديب أم تضيف له؟
- الاديب الاصيل الجاد يستفيد ويفيد، يأخذ ويعطي، ولكنه حذر جدا من الكتابة في هذه الوسائل، لانها تسرق الوقت اولا، وتضيّع الرويّة والطمأنينة عند الكتابة، والادمان عليها يسمح بدخول الاسفاف والسطحية في الكتابة اجمالا، وانا لست شغوفا بوضع ادبي على واجهات هذه الوسائل.
* ماذا ولمن تقرأ، ومن هو قدوتك في الأدب العربي؟
- الان أقرأ شعر المرحوم اسامة المفتي وأوشكت على تحقيق وشرح ديوانه، وأقرأ الان مجموعة من الروايات ومجاميع القصص لاديبات اردنيات لانني عازم على اصدار كتاب يحمل عنوان(صورة المرأة في السرد النسوي الاردني)، واعيد قراءة كتب مالك بن نبي وزكي نجيب محمود ومصطفى صادق الرافعي وعبقريات العقاد والتوحيدي، وابحث الان عن مذكرات قادة العدو الصهيوني لقراءتها، وفي رمضان سأقرأ بعض تفاسير القرآن الكريم وجانبا من السيرة النبوية.. اما قدوتي في الادب العربي فهو الذي قدّم نتاجا ادبيا خالدا ايا كان اسمه او زمنه، فقد تأثرت بالعقاد زمنا والمتنبي قبله ويعجبني اصحاب المقامات.. لكنني لم اقيد نفسي بقدوة في الكلام بعد النبي العربي سيدنا محمد عليه السلام.
* نايف النوايسة كناقد، ما هي توجيهاتك لجيل الشباب الادباء الصاعدين؟
- اقول لهم لا تستعجلوا، فلابد من القراءة الواعية قبل الكتابة، القراءة هي رأس المال والكتابة هي الربح، وانتبهوا لما يحاك لكم لتستطيح وعيكم وتغريب فكركم، فالرهان عليكم كبير فلا تدعوا مؤامرة الاعداء تأخذكم بعيدا عن ثقافة امتكم وتراثها، وتجعلوا قراءاتكم مقصورة على محيطكم الضيق.. اذهبوا بعيدا في عمق الثقافة الانسانية، ولا يغترلا احدكم اذا نُشر له نصا، فانص المنشور كالنبتة الغضة التي قد تتعرض للعواصف ان لم تنبت في مكان آمن يوفر لها الحياة، واعتبروا ما تكتبون بمثابة تجارب قد تقود الى القوة وتبلور الشخصية الادبية.
* هل لنا بنبذة نوضح فيها لقارئ عمون نتاجك المطبوع من الكتب، وما هو القادم لديك؟
- صدر لي حتى الان واحد وعشرون كتابا منها سبع مجموعات قصصية قصيرة وقصتان ورواية للاطفال ومسرحية ومعجم تراثي وكتاب تراثي حول الطفل في الحياة الشعبية الاردنية وكتاب نقدي عن فلسطين في الشعر الاردني وكتابان من سلسلة السجل المصور للواجهات التراثية المعمارية في الاردن، ودراسة عن الوطن في المأثور الشفاهي الاردني، وكتاب عن تاريخ الكرك، وجمعت مقالاتي في الصحف الاردني وأصدرت الجزء الاول منها في كتاب نقوش على كف الاقحوانة، وكتاب ضم نصوصا شعرية واخرى نثرية، اما ديواني الذي فزت به بجائزة الناصر صلاح الدين الايوبي فهو(ندهة الستين).. اما ما أعددت للنشر فعندي الان مسرحيتان والجزء الثاني من مقالاتي(نقوش على كف الاقحوانة) ومجموعة قصصية عنوانها المقترح(ربيكا)، ورواية للاطفال عنوانها(سارة والديكان)، وكتاب(السجل المصور للواجهات المعمارية التراثية في الطفيلة)، بالاضافة الى اتمام كتاب صورة المرأة في السرد النسوي الاردني.
* متى تكتب وهل من أجواء وطقوس وأوقات محددة خاصة بك في الكتابة؟
- لكتابة القصة او القصيدة احتاج الى خلوة في الليل تحديدا وبعد منتصف الليل حتى اتمكن من الانصات لنفسي واتجنب الضجيج الذي يعيدني الى سطح الشعور، البيئة عندي مناسبة جدا لهدوئها وتعاون اسرتي معي، كتابة البحث عندي يتم في أي وقت لكن بعيدا عن المتطفلين وعبث العابثين.
* القارئ الأول لأي عمل أدبي يعد بمثابة الناقد، من هو القارئ الأول لديك؟
- الناقد والقارئ الاول عندي هي زوجتي التي قرأت امامها معظم نصوصي واستمعت لملاحظاتها بخاصة في ما يتعلق بجوانية المرأة، واهديتها معظم كتبي، وحينما كبر اولادي وبناتي شكلوا جمهورا جميلا امرر عليهم ما اكتب، وبعض بناتي كن هن طابعات كتبي قبل ان ازج بها الى المطبعة.
* ما هي خطتك القادمة، وجديدك ، وما هي احلام نايف النوايسة القادمة؟
- اسعى الى اصدار مجموعاتي القصصية في مجموعة اعمال، وكذلك قصص الاطفال، واعكف منذ سنوات على تفسير القرآن الكريم من خلال الشواهد المبثوثة في معاجم اللغة وقد قرأت حتى الان خمسة اجزاء من لسان العرب، ودونت الملاحظات على بطاقات ضمن خطة بحث محكمة،
اما احلامي فتتركز الان في نقطة محددة هي رؤية امتي العربية وقد نهضت من سباتها، وان تتحرر فلسطين من قبضة العدو وان ارى بلدي الاردن وقد خلا من مرض(الفساد)، وعلى صعيد الثقافة اتمنى ان اتفرغ للمطالعة الخالصة بعيدا عن انشغالات الحياة.
عمون: أطيب الأمنيات للأديب والكاتب الأردني نايف النوايسة.