ربط الله تعالى الصوم برجاء حصول التقوى ، واكد سبحانه ان هذه العبادة متعلقة به وهو يجزي عليها ، وحذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيام المجروح الفاسد الذي لا حظّ لاصحابه منه سوى الجوع والعطش ، لكن الصورة التي اصبح عليها رمضان في زمننا تغيرت ، فقد ربطناه - للأسف - بالدراما عشرات المسلسلات تخصص للعرض على شاشة رمضان والخيم الرمضانية والسهر ، وتعاملنا مع طقوسه بدل ان نحقق مقاصده ، واكتفينا بتغيير مواقيت الاكل والشرب والنوم ، لدرجة ان بعضنا لا يشعر في صيامه حتى بالجوع والعطش.
كنت فيما مضى قد اشرت الى انماط التدين ، وتوقفت امام التدين المغشوش وربما يكون مختبر الصيام شاهدا على هذا النمط الذي يعيشه بعضنا ويمارسه ، حيث تتقدم الشكليات والطقوس على المقاصد والمضامين ، وحيث تقدس الهيئات بدل ان تقدس الغايات ، وحيث نكثر من التمجيد والمدح فيما الحقيقة ان نفوسنا في واد اخر.
وما دام اننا نبرع في ابتداع المصطلحات ، فان الحال يذكرنا بنوع جديد من الاسلام ، الذي نمارسه ، وهو الاسلام السياحي اليس لدينا اسلام سياسي واخر اجتماعي كما يحلو للبعض ان يصنفه؟، ، فالمسلم - مثلا - حين يصوم او حين يصلي او حين يمارس عباداته ، يمارسها بمنطق السائح ونظرته ، السائح يزور معلما اثريا فيقف مندهشا امام جماله ، وسعيدا من شكله ومظهره ، وربما يتوقف امامه لحظات او ساعات ، وقد يأخذ - للذكرى - صورا ما ، لكنه سرعان ما يمضي الى موقع اخر ، دون ان يترك المعلم السياحي الذي اعجبه اي تأثير عميق في تفكيره ، او دون ان يشعر بانه جزء منه ، ينتمي اليه او يعيش معه ، فالاعجاز - هنا - لا يتحول الى زواج ، ولا يفضي الاّ الى سعادة مؤقتة ، ان كانت ثمة سعادة.
وحال صاحبنا السائح لا يختلف عن حال بعض الذين يعجبون بالصيام ويرون فيه موسما للتغيير او حتى للتسويق والتجارة ، او شهرا للسهر ومتابعة المسلسلات ، اعجابهم هذا يظل مجرد اعجاب ، لا يتحول الى زواج حقيقي مع مقاصده ، ولا يتجاوز التدين بالجوع والمشقة - ان حصلا - فيما المقصود بالصيام شيء اخر يتعلق بالتقوى والتفكر والرشد ، كما نصت على ذلك نهايات الآيات الخمس التي وردت في القرآن الكريم في معرض الحديث عن الصيام.
رمضان ، في الاصل ، شهر للعبادة ، والتقوى ، والتوبة ، وايقاظ الضمائر النائمة ، وتنشيط دورة الايمان ، واحياء قيم الخير في نفوس الناس ، وهو مدرسة للثورة على البطن وتحرير النفس من الشهوة وردم الفجوة بين الفقراء والاغنياء ، وتدريب على الصبر ، ويمكننا ان نضع باروميترا لقياس هذه الثمرات والمقاصد ، وان نضع لأنفسنا ولأمتنا ايضا ، ما تستأهله من علامات لاجتياز امتحان يا ليتنا نفعل ونكتشف النتيجة،، .
باختصار ، الصيام السياحي ، والآخر التجاري او الدرامي.. صيام دخيل يعكس تديننا المغشوش ، وعدم فهمنا لمقاصد رمضان.. ومقاصد الاسلام ايضا ، وتقبل الله صيامكم،،
(الدستور)