انقضى الشهر الكريم ولم يبق إلاَّ العشر الأواسط والأواخر، ها نحن صامدون على خط.. رمضان، كما تعودنا وعلى ما نشأنا وترعرعنا.. نمتنع لرؤيته ونأكل ونشرب ونعوض كل ما فات لرؤيته، نسأل ذات الأسئلة والاستفسارات التي لا نختزن إجابتها بانتظار إعادة سؤالها في رمضان القادم.. إبرة الأنسولين وفرشاة الاسنان، حكم الذي ينسى فيشرب قارورة ماء وبعض الساندويتشات قبل أن تعود إليه ذاكرته ويدرك أنه في أيام الصيام، "المضمضة" والسباحة، أدوية الحوامل وسحب الدم، حكم القطرة وهل "الكُحلة" مبطلة للصيام ، عشرات الأسئلة التي يغيب عنها حتماً جوهر الشهر الكريم والحكمة الالهية منه!!

"على أعصابنا".. مر الثلث الأول من رمضان بقينا على أعصابنا خشية الوقوع في ما يُفسد صيامنا، نَشبع كلاماً في شؤون الخلق وعيوب الناس ونُشبع عيوننا بكل ما يفسد صيامنا من المشاهد، ثم سرعان ما نعود إلى رشدنا وعادتنا "اللهم إني صائم" نكررها ونحن على أعصابنا.

في رمضان كما في غيره نقضي ساعاتنا مشدودين على حبل من أعصاب متوترة، بانتظار دورنا في المؤسسات الرسمية وفي البنوك وعلى أبواب المستشفيات.. بانتظار أن يرد علينا موظف في دائرة حكومية، السلام!!
نحن نعيش حياتنا كلها.. "على أعصابنا" في باصات صويلح - البيادر حين نكاد لا نرى الأرض من فرط السرعة، ونتشهد عشرات المرات ونحن نتجاوز ونتنقل بين السيارات والخطوط برشاقة تكاد تقتلنا.

"على أعصابنا" نقضي دقائقنا القليلة على الإشارات الضوئية التي تتكاثر مثلنا، لا يكاد الأحمر يخضر حتى تنطلق عشرات الأبواق مذكرةً إيانا أن علينا الانطلاق.. وما إن نصل إلى الدوار الذي يلي الإشارة حتى نعود "على أعصابنا" بانتظار من له الأولوية لدخول الدوار.. كذلك نحن في المختبرات بانتظار فحوصنا المخبرية وعند الطبيب وعلى أبواب غرف العمليات وفي مراكز الإخصاب "وعلى أعصابنا" أيضاً ننتظر دورنا بالماء في جدول عقيم لا نعرف له ملامح، وعليها أن نعيش لحظات وصولها إلى الخزانات ببطء متوجسين من توقف مفاجئ، يجعلنا نعود إلى انتظار دور الماء حتى الأسبوع القادم ونبقى "على أعصابنا"!!

نتلمس خطانا على أعصابنا عند الأرصفة خوفاً من أن نصطدم ببسطة تحتل الرصيف، حتى في بيوتنا وعلى شرفاتنا نلتف حول أنفسنا كلما سمعنا صوت انفجار لمفرقعة رمضانية ونتلفت خوفاً من أن نكون الضحية التالية لعيار ناري طائش في حفل زفاف مجاور.

بقينا "على أعصابنا" في مسيرة منتخبنا الوطني بتصفيات كأس العالم.. وفي انتظار تشكيلة المنتخب حتى خرج، وبقينا علىأعصابنا حين عرفنا ممثل العرب في كأس العالم، "وانحرقت أعصابنا" ونحن ندعو للجزائر أن تتأهل حتى خرجت بشرف، لكننا بقينا كما نحن.. "على أعصابنا" وبقينا هكذا مع كل هدف سكن في شباك البرازيل بسباعية المانيا، وها نحن "على أعصابنا" بانتظار معرفة البطل يوم الأحد المقبل..!!

نحن بطبيعة الحال "على أعصابنا" بانتظار نتائج التوجيهي ومعرفة نسب النجاح وسنبقى كذلك لإدراك معدلات القبول ونسبة الرفع في الرسوم الجامعية وأخبار الموازي.عند مشاهدة الأخبار وحتى متابعة خطبة الخليفة الجديد، في متابعتنا للبيانات الرسمية والمؤتمرات الصحفية وفي تصريحات النفي الدائم لوزير الصناعة والتجارة بشأن الأسعار.في الشارع وبانتظار المطب القادم بين مئات المطبات المزروعة عشوائياً.. نبقى "على أعصابنا" وعلى أبواب العيد، وموسم العودة إلى المدارس..
حين يحين موعد أذان المغرب "على أعصابنا".

وفي كل صاروخ اسرائيلي يخترق امان اطفال غزة ويغتال موعدهم مع العيد.. نحن على اعصابنا!!

"الغد"