في المسألة العراقية : الملكية الدستورية
mohammad
10-07-2014 03:16 PM
*د.زهير أبو فارس
واضح وضوح الشمس ان أوضاع العراق الحالية مرشحة للسير باتجاهات مختلفة: فإما الاستمرار بالاقتتاال وصولاً الى التقسيم النهائي على أسس طائفية وعرقية، أو ما يسمى بحالة الأمر الواقع السائدة الآن (De facto)، وفي الاطار الشكلي لدولة العراق؛ أو استمرار حالة الاقتتال المذهبي وصولاً الى فرض الارادات بالقوة والقهر لأحد الأطراف، (وبالتالي استمرار الصراع الدموي الى ما لا نهاية)؛ أو تغير الوضع المتفجّر والذي جاء نتيجة لسنوات عجاف من التناحر وشعور البعض بالتهميش والاقصاء وما حصده العراق من رعب ودم ودمار، وبالتالي عدم فاعلية "الديمقراطية" التي شكلت الهدف لاحتلال الأميركان ودول التحالف للعراق.. نقول تغيّر هذا الوضع الى حالة من التوافق الهش بين مكونات المعادلة العراقية التي يبدو ان عناصرها باتت لاتدخل في تفاعلات ايجابية باتجاه أي من صيغ التوافق المعروضة. وفي الجانب الآخر، هناك المشكلة الكردية المزمنة، والتي يبدو ان تطور الاحداث المتسارعة في الاقليم والعراق والمنطقة ككل، باتت تفرض واقعاً جديداً طال انتظاره ملائماً للكرد تماماً، وبخاصة بعدما تمخضت أحداث الموصل ومحافظات اخرى غرب العراق عن دخولهم كركوك والسيطرة الكاملة عليها، وهو حلم راودهم طويلاً وحان وقت تحقيقه.
وبعد، فإن المشهد العراقي بكافة عناصره مرشح للتغير في كل لحظة، أي أن الفوضى وعدم الاستقرار سيبقى الثابت الوحيد في المدى القريب والمتوسط على اقل تقدير، ويبدو أن تفاعلات المعادلة القادمة ستبقى كذلك، بل قد تزداد سوءاً على المدى الأبعد.
والسؤال الذي يطرح في الحال: إذن، ما الحل، هل سيترك العراق يسير الى قدره نحو المزيد من الدمار والتفتت والقتل على الهوية، أم أن هناك حلولاً أخرى يمكن ان تكون المخرج لانقاذه وشعبه الذي تحمّل ما تعجز عنه الجبال؟
إن كاتب هذه السطور، ومن خلال اعتماده على تاريخ العراق والمنطقة، يعتقد ان أفضل الخيارات لمجمل مشاكل العراق تكمن في ايجاد صيغة توافقية بمشاركة كافة مكوناته العرقية والمذهبية، تقوم على وأد الفتنة الطائفية الى الأبد، والتسامي على الحقد والثار، وتضميد الجراح، والانتقال الى مرحلة الأمن والاستقرار والبناء، مع احترام خصوصية وتطلعات مكوناته في اطار هوية العراق الوطنية الجامعة.
كما ان المتابع لأحداث التاريخ، البعيد عن الاهواء الذاتية والمواقف المسبقة، يدرك تماماً ان تجربة الهاشميين في العراق لم تحظ بالتقييم الموضوعي من كافة نواحيها الايجابية والسلبية، ولم تعطى الوقت الكافي للحكم عليها، حيث أطيح بها وبمأساوية فظيعة قل نظيرها، وكانت ضحية لتناقضات وصراعات القوى العظمى وعواصف المنطقة المرتبطة بها في ذلك الوقت، نتيجة الفتن والانقسامات المذهبية التي تمتد جذورها منذ القرن الأول الهجري وما بعده، والتي لا يزال الوجدان الجمعي في هذه البلاد العريقة يختزنها في وعيه، ولا وعيه ويعبر عنها بمظاهر ومواقف مختلفة مكان دائماً ولا يزال من يغذيها ويصب الزيت على النار لخدمة أهداف و أجندات خبيثة ليست في مصلحة العراق واهله، نحن بامس الحاجة الى استيعاب أحداث الماضي واشكالات الحاضر، والانطلاق نحو المستقبل، وفي هذه الأمة العظيمة ما يكفي من الحكماء القادرين على الاضطلاع بهذه المسؤوليات الجسام.
لقد نجح الهاشميون في تقديم نموذج لنظام حكم قوي يلتف حوله الشعب الأردني بكافة فئاته ومكوناته، وصولاً الى دولة آمنة مستقرة متطورة تحرز الانجاز تلو الآخر، وفي مختلف الميادين، وتحظى باحترام وتقدير دول العالم. إننا نزعم أن تجربة الهاشميين الناجحة في الأردن يمكن أن تكون في العراق، مع الاخذ بعين الاعتبار الظروف الموضوعية والخصوصيات العرقية والمذهبية التي تميّزه، وقد تكون الملكية الدستورية هي الانسب والأقدر على توحيد الأرض والشعب، من منطلق ما تتمتع به من شرعية ورمزية تاريخية ودينية تقبلها وتجمع عليها كافة مكونات العراق الحديث.
فالمكون الكردي نجح في تأسيس كيانه الذي يمثل حلم ابنائه لسنين طويلة، (وهو حق لهم في الحرية وتقرير المصير)، هذا الكيان الذي هو أكبر من اقليم وأقل من دولة، وبهذه الخصوصية يمكن صياغة علاقة مناسبة مع الدولة الجديدة، اعتماداً على العلاقات التاريخية التي تربط الكرد وقياداتهم بالهاشميين على مر العقود؛ أما المكونان الرئيسان الآخران في العراق: السنة وعشائرها، والشيعة ورموزها ومرجعياتها، فنرى أن الحل الهاشمي مناسب أيضاً بالنسبة لها: فالمكون السني تربطه بالهاشميين علاقات تاريخية، والتداخل الجغرافي والديمغرافي لعشائرهم ورموزها مع الاردن معروفة، ويمكن أن نوظف لصالح المشروع المطروح؛ وهذا ينطبق تماماً على المكون الشيعي الذي يمتلك إرثاً تاريخياً ومشاعر وجدانية خاصة تجاه آل البيت، ومن الطبيعي، بل والمنطقي، ان يكون للهاشميين مكانة خاصة لدى هذا المكون الهام، وبالتالي قبولاً لهذا المشروع – الفكرة، والذي يبدو نظرياً في المرحلة الحالية.
إنها مجرد آراء في حلول لمشكلة خطيرة، ظاهرها ديني مذهبي، وباطنها سياسي بامتياز، تتفاقم كل يوم، وتتطاير نيران حرائقها في كل اتجاهات المنطقة والاقليم، لكنها في النهاية مسألة عراقية في المقام الأول، وعلى الشعب العراقي الشقيق ان يقرر مصيره بنفسه، منطلقاً من مصالحه العليا ومستقبل أجياله، بعيداً عن التدخلات والاملاءات الخارجية، مهما كانت، ومن أي جهة جاءت.
ومن حق كاتب هذه السطور ان يعتقد بان الخيار الهاشمي في العراق يمكن أن يكون احدى السيناريوهات الأكثر ملائمة للوصول بالعراق الى بر الامان وبناء الدولة القوية المتطورة، التي تمتلك من الموارد البشرية والطبيعية ما يكفي لإنجاح هذا المشروع.
إنها مجرد أفكار وقضية للنقاش..
*نقيب الأطباء الأسبق
Dr.zuhair@windowslive.com