بدءاً ما من نصابٍ عددي لمجزرة أو هولوكوست، إذ يكفي قتل طفل واحدٍ وحرقه حيا لان يكون بمثابة الحكم بالموت حرقا على كل أطفال العالم ومنهم الأطفال اليهود، انها مناسبة للتذكير بان الهولوكست الفلسطيني أصبح بحاجة الى عدة متاحف في كل العواصم التي عجزت عن ان تعصم من يلوذون بها وسواء كان اسم الطفل محمد الدرة أو محمد أبو خضرة أو أي محمد آخر فان ما جرى له هو مجزرة بكامل ادواتها لان لهذا الهولوكوست المعكوس بعدا رمزيا.
وما الاصرار الامريكي على محاكمة من اقترفوا هذه الجريمة بعد الاعتذار لاسرة الطفل والشعب الذي ينتمي إليه إلا تعبيرا عن ظاهرة بدأت تتنامى في الولايات المتحدة، وقد كتب عنها فتكلشتاين مؤخرا، وهي ان الرأي العام في امريكا بدأ ينوء بعدة أعباء تسببت بها إسرائيل، منها العبء السياسي والاقتصادي وقد أضيف اليهما العبء الاخلاقي فقد بدأت هذه الظاهرة بصوت هامس لكنها الآن بدأت تطفو على السطح.
العالم بأسره يعرف ان الفلسطينيين ليس لديهم فائض القوة والعدوان بما يكفي لتفتيش كل البيوت في القدس الغربية وتل أبيب وحيفا ونهاريا بحثا عمن احرقوا الطفل محمد وهو حي وليس لديهم من احتياطيات الفيتو ما يتيح لهم شن عدوان على اسرائيل لانهم لا يملكون الفانتوم والاباتشي والقبة الحديدية.
لقد اتهمت اسرائيل الشعب الفلسطيني بأسره وأسراه معا باختطاف المستوطنين الثلاثة وقتلهم في ظروف غامضة، لكنها لا تقبل ان يتحمل كل يهود العالم دم محمد لانها تعتقد بأنها الاستثناء الذهبي من قاعدة الجوييم التصديرية وان ما يحق لها يحرم على سواها، وقد يكون سبب هذا الوهم اضافة الى مثيولوجيا رب الجنود كونها المدللة التي افسدها الانحياز الاعمى اليها والتي غطى الفيتو عورتها خلال اكثر من ستة عقود.
هذا الهولوكوست الجديد والمعكوس يفرض على العالم قراءته كما هو وبلا مواربة، لانه موثق بالصورة ومعروض على القضاء كله شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ومن الجهة الخامسة التي هي جهة السماء.
فهل تقترح إسرائيل تسعيرة سياسية واخلاقية للدم؟ بحيث تكون تسعيرة الدم الفلسطيني والرماد العربي أدنى من قيمة العملات المحلية التي وصل بعضها إلى حد شراء علبة سجائر بقفة من الأوراق النقدية.
لقد خدع بعض الناس في هذا العالم لبعض الوقت، رغم ان بعض الوقت بلغ ستة عقود فهل يحتاج الهولوكوست الآن إلى تعريف آخر؟ تماما كما تحتاج النازية إلى تعريف يليق بمرحلة ما بعد الحداثة وما بعد العروبة أيضا؟
(الدستور)