التنويم المغناطيسي للشعب الأردني
د.محمد غزيوات الخوالدة
06-07-2014 04:48 AM
منذ بداية هذا الشهر الفضيل تقرر العمل في الاردن، بالتوقيت الرمضاني، والذي يبتدئ بموجبه العمل في الساعة العاشرة صباحا إلى غاية الساعة الثالثة والنصف زوالا،لن أناقش هنا محاسن ومساوئ هذا التوقيت الذي كتب حوله الكثير. وإنما سأتطرق إلى أحد العيوب الملازمة لهذا لنظام التوقيت المطبّق بالمؤسسات الحكومية والخاصة، سواء كان هذا التوقيت صيفيا أو شتويا، ان العملبالمؤسسات الحكومية يبتدئ عندنا في الأردن في الساعة التاسعة.
ويبتدئ بالدول الأوربية في الساعة الثامنةوالنصف وفى كوريا أحد دول نمور اسيايبتدئ الدوام الساعة السابعة والنصف وهو ما يعني، بالتوقيت الأردني الذي ينقص عن التوقيت الأوروبي والكوريواليابانيبساعة واحدة ـ من غير شهر رمضان حيث يكون الفرق ساعتين ـ، أن العمليبتدئ بهذه الدول الأوروبيةوالأسيويةعندالساعةوالسابعة والنصف.
فالأوروبيون، والكثير من الشعوب الأخرى التي تتبنى نفس التوقيت للعمل، يتقدمون إذن علىالاردنيين بساعة واحدة أو أكثر. مع أن هذا التقدم، بساعة واحدة أو أكثر، لو كان يخص الأردن لبدا الأمر طبيعيا ومنطقيا ولما أثار فضولا وأسئلة، لكون الأردن بلدا آسيوي يقع في جنوب أوروبا، حيث أشعة النور تكاد لا تختفي إلا بعد الغروب، وهو ما يجعله بلدا يتمتع بكثافة الضياء طيلة فترة السنة، وحتى في أوج الشتاء، مما ينتج عنه أن النهار، مقدّرا بكثافة الضوء، يبدأ باكرا مقارنة مع أوروبا "المظلمة"هذه الساعة من تأخير وقت العمل عندالأردنيين، مقارنة بالأوروبيينوالاسيويين، لا تنفع إلا للنوم ساعة أخرى زائدة. وهذا هو بيت القصيد: (النوم) الحكومة تهتم إذن بنوم وراحة مواطنيها.
لكن الحكومة التي تهتم بنوم مواطنيها، أكيد أنها لا تهتم بتحسين مستوى معيشتهم، الذي لا يمكن أن يتحسّن بالنوم وإنما بالعملحقيقة أن النوم عندنا بالأردن له خصوصية. فالموظفون لا يلتحقون بعملهم إلا ابتداء من الساعة الثامنة، وفى رمضان بالساعة العاشرة أي بعد أن "يشبعوا" النوم. والعديد من البرلمانيين الأردنيين تلتقطهم الكاميرات، وأثناء مناقشة قضايا الأمة، وهم غارقون في سبات عميق داخل مجلس الامة الذي حولوه إلى مجلس للنوم. والحكومة الأردنية، كما قلت، تنظّم أوقات العمل آخذة بعين الاعتبار حاجة أعضاء مجلس الامة وموظفيها وعمالها إلى النوم في الصباح بما أن النهار يبتدئ من الشروق حتى الغروب، فالمفروض والطبيعي أن يبدأ العمل من وقت شروق الشمس. وهو ما يحصل فعلا، وحتى بالأردن، عندما يكون طلوع الشمس على الساعة الثامنة والربع في الأسبوع الأول من يناير.
وبما أن العمل في هذه الفترة يبتدئ مع طلوع الشمس، فما المانع أن يُكيّف توقيت العمل مع وقت طلوع الشمس حتى في الفترة الصيفية، فيتقرر بدء العمل على الساعة السادسة والنصف مثلا؟ لكن هذا ما سترفضههذهالحكومة الساهرة على نوم مواطنيها وموظفيها، لأن بداية العمل مع طلوع الشمس في الفترة الصيفية، سيحرم عمال الدولة من ساعة إلى ساعتين من النوم. هذا هو منطق (دولةالنوم)لكن لماذا يفكر الاردنوحده في نوم مواطنيه، عكس الدول الأوروبيةواليابان التي تفكر في العمل قبل النوم، مما جعل العمل عندها يبدأ، في الفترة الشتوية، في ظلام الليل وقبل بزوغ النهار؟ بل إن بدء العمل في وقت مبكّر، يلائم الأردن أكثر مما يلائم الدول الأوربية، اخدين بعين الاعتبار ان الأردن دولة إسلامية يفترض أن مسلميها يصلّون الفجر، الذي هو فرصة مناسبةللاستيقاظ المبكّر. لكن بدل أن تكون صلاة الفجر دافعا للبداية المبكرة للعمل للمواطن الأردني، تُستعمل لتأخير هذه البداية بذريعة تعويض المدة التي اقتطعت من وقت النوم لتخصص لصلاة الفجر. وهكذا تكون صلاة الفجر عبادة، ولكن من أجل النوم. وهذا أسوأ استعمال لصلاة الفجر. ذلك لأن الذي يعود إلى النوم بعد أقامه صلاة الفجر، لن تكفيه ساعة ولا حتى ثلاث ساعات ليستلذ الخلود إلى الكرى. فبدل أن تكون صلاة الفجر دافعا للاستيقاظ المبكر من أجل البدء المبكر للعمل، تستعمل لتأخير أوقات العمل. وهذه إساءة لصلاة الفجر نفسها، وذلك بالإساءة إلى مقاصدها وتحريف الغاية منها.
من جهة أخرى، هل الموظفون وحدهم يصلّون الفجر، كما هو مفترض، حتى نأخذ هذه الصلاة بعين الاعتبار من أجل تأخير أوقات العمل إلى الثامنة والنصف او التاسعة؟
لماذا هذا السؤال؟ لأن أصحاب الحرف والمزارعين وعمال البناء يبدؤون العمل، وطيلة السنة، في الساعة السادسة، وهم مثل الموظفين فيهم كثيرون يؤدون صلاة الفجر في حينها، علما أنهم الأحوج إلى مدة أطول من النوم نظرا لعملهم الشاق ,ان الحل المناسب للأردن، باعتبار موقعه الجغرافي كبلد يقع في جنوب أوروبا يتمتّع بكثافة الضياء، وحتى يكون لنظام توقيت العمل مردوديته التنموية والبشرية، هو أن يبدأ العمل على الساعة السابعة، مع زيادة ساعة في الفترة الصيفية كما هو معمول به اليوم، أو تبني نظام التوقيت الأوربي او الياباني، أي زيادة ساعة عن التوقيت العالمي في الفترة الشتوية وساعتين في الفترة الصيفية، مع خيار بداية العمل في الساعة الثامنة, أما في شهر رمضان المبارك فلا يبدو أن هناك سببا معقولا لتغيير التوقيت الصيفي للعودة إلى التوقيت العادي، مما يخلق ارباكا في ضبط الوقت لدى المواطنين كما سبق أن أشرنا. لا داعي لذلك لأن أوقات الصلاة فلَكية ومستقلة عن أوقات العمل العادية التي يمكن تغييرها كلما دعت الحاجة إلى ذلك سواء كانت حاجة سياسية أو إدارية أواقتصادية.
ومن الجدير بالملاحظة أن هذا النوع من الحلول ، الذي يقدّم أوقات العمل بساعة ونصف، يجعل من هذا التوقيت المقرر منذ زمن بعيد، توقيتا مستمرا حقا بالنسبة للموظف الأردني الذي ينهي عمله على الساعة الرابعة عصرا، مما يجعل هذا العمل يستغرق كل نهار المواطن تقريبا،أي من الثامنة حتى الرابعة ، حيث لا يبقى له وقت فائض يستعمله للأمور الشخصية، مثل القراءة، والتسوق ومراجعة الدروس مع الأولاد، زيارة الأقارب، تنظيف المنزل وإعداد الطعام التي تتطلب ساعات من التحضير(بالنسبةللموظفاتعلى الخصوص)إلا أن الفائدة الأخرى لهذا التوقيت، والتي لا تدرك مباشرة رغم أنها هامة جدا، هو أن بدء العمل على الساعة السابعة، سيكون له دور أخلاقي وتربوي يتمثل في تعويد وتدريب المواطنين على النهوض باكرا. وهذا متغير له أثره على التنمية الاقتصادية، كما تشهد على ذلك أنظمة التوقيت في أوروبا والصين واليابان وكوريا. ومن السهل ملاحظة أن تأخر بداية العمل في الدوائر الحكوميةوالمؤسسات العامة حتى الساعة الثامنة في الأيام العادية والتاسعة في رمضان، يؤثر بدوره على تأخر بدء النشاط الاقتصادي، حيث لا تفتتح غالبية المراكز التجارية أبوابها إلا بعد الساعة العاشرة وحتى يكون هذا التوقيت، الذي يبتدئ معه العمل على الساعة السابعة بدل الثامنة او التاسعة، مفيدا وذا مردودية، لا بد من تعميمه إلى القطاع الخاص (المصانع والشركات...) كذلك، وإلى المؤسسات التعليمية التي ينبغي، تطبيقها لهذا التوقيت، أن تبدأ الدراسة بها، وبجميع المستويات الابتدائية والثانوية والجامعية، على السابعة والنصف صباحا بدل الثالثة, أما إذا تم تطبيق هذا الحل اليوم، فستكون وراءه الرغبة في "استثمار الوقت" لاستعماله على الوجه الأكثر مردودية وفائدة وكما ذكرنا سابقا إن الحكومة الاردنية تؤخر أوقات العمل إلى ساعات متأخرة من النهار، لأنه يهمها أن ينام مواطنيها وعمالها وموظفوها بشكل جيد وكافٍ. لذلك نطلق عليها (دولةالنوم) و (التقشف الاقتصادي) بسبب ما تعطيه من أهمية خاصة لنوم لمواطنيها وعمالها وموظفيهاحيث تتقشف على المواطنين وتنفق ببذخ على المسؤولينالكبار. فهل حقا حرصها على نومهم وعلى راحتهم هو الذي يفسر نظام التوقيت بالأردن؟ لا نعتقد ذلك. بل يمكن القول إن آخر ما تفكر فيه هذه الحكومة والتي سبقتها والتي ستلحق بها هو راحة ونوم مواطنيهاوعمالها وموظفيهافي الاردن، فكل شيء يُخطط له في هذا الوطن له علاقة مباشرة بما هو أمني. فالهاجس الأمني هو الذي يفسر كل القرارات في الأردن ، حتى التي تبدو بعيدة كل البعد عن الأمن فالمواطن المسكون بهموم نفسة وعائلته عندما يريد ان يوقع على معاملة ما يتنقل بين ثلاثة الى ستة مؤسسات حكومية مبعثرة في ارجاء العاصمة لكى ينهى هذه المعاملة وهذا ما حدث معي بالأمس عندما بدأت العمل لإنجاز معاملة لي في الساعة العاشرة وانهيتها الساعة الثالثة مساء فقد نجح صانع القرار ومتخذة بنهب وسرقة كل وقتي وكل ما في جيبي لكى يرفع وعلى مزاجه أسعار المشتقات البترولية وبعض أنواع الأغذية ، ونجح في سرقة وقت المواطن والموظف حتى لا يبقى له وقت لأنشطتهالنقابية أو الحزبية او حتى الاستماع الى نشرة محطة الجزيرة التي تناصباها هذه الدولة العداء المطلق. بعبارة أخرى، حتى لا يبقى له وقت كافٍ لممارسة السياسة، التي تحتاج إلى اجتماعات ونقاشات وتبادل لوجهات النظر بين افراد الشعب. هذا المواطن منح له إذن كل الوقت للنوم وبعض من الطعام (المهرمن )، حتى لا يستعمل ذلك الوقت في معرفة القرارات السياسية التي تهمة والتي تطبخ في مطابخنا ومطابخ الغير وذلك لأسباب أمنية، كما قلت.
فالغاية من هذا التوقيت ليست هي نوم وراحة الموظف والمواطن الأردني، بل هي حرمانه من وقت فراغ قد يستعمله فيممارسة السياسة والتفات الى ما يحاك له في الظلام , وإذا كان مسؤولي الدولة في الأردن لا يستيقظون إلا في وقت متأخر من الصباح، فليس من مصلحتهم ذلك، ولأسباب أمنية دائما، أن يستيقظ الموظّفون والعمّال ويبدؤوا العمل في وقت مبكر. النوم هو ظاهرة إذن بقوة في سياسة الدولةالأردنية، سواء في اختيار نظام للتوقيت، ولأسباب أمنية بحتةكما شرحت، وهويساعد على النوم الثقيل والطويل للموظف، أو نوم بعض مسؤوليها، إلى ساعات متأخرة من النهاربسبب أرقهم للمحافظة على كراسيهم. أليست هذه هي دولة النوم الذي جعلت منه سياسة ثابتةلضبط الأمن ومنع التعاطي السياسي؟ فليس هناك أفضل من تنويم هذاالشعبالمقهور مغناطيسيا وسلبما في جيبة لضمان ديمومة مقولة الامن والأمان!!!.