لا تتوفر وصفة تمكّن الحكومات من تخفيض نسب الفقر إلى أقل من معدلها الحالي بحلول العام 2020، إلا إذا كانت تمتلك عصا سحرية تمكّنها من المسح على وجه الفقير، فيتخلص من فقره نهائيا.
الاستراتيجية الوطنية للحد من الفقر تهدف لذلك، فالحكومة تسعى لتخفيض معدل الفقر إلى 6 % من نسبة تقدر حاليا بحوالي 14.3 %، نظريا تبدو الفكرة براقة ومغرية، لكنها عصية على التحقيق.
ليس تشاؤما، بيد أن التفكير قليلا في تجارب جميع الحكومات خلال العشرين سنة الماضية، والنظر إلى نتائج إنفاق مئات الملايين، يقود إلى نتيجة واحدة، وهي أن من وضع الاستراتيجية إنسان حالم، يمتلك خيالا واسعا، ويجري خلف سراب، لتحقيق هدف صعب المنال، لا تساعد، المعطيات الاعتيادية على تحقيقه، فكيف سينجز الهدف في ظل ظروف محلية إقليمية استثنائية؟
بحسب المعلن تخطط الحكومة للعمل باتجاهين؛ الأول احتواء الفقر، والثاني الحد منه، باستهداف الفقراء والأسر المعرضة له، خصوصا أن الأخيرة هشة ولا تملك المناعة الكافية لحمايتها من العوز كونها ضعيفة وجاهزة للسقوط في مستنقع الفقر، في ظل أي تدهور اقتصادي أو اجتماعي، حتى وإن كان محدودا.
الاستراتيجية بدأ إعدادها في عهد حكومة سابقة، وانتهت في العام 2012، وكان يفترض البدء بتطبيقها منذ عام ونصف تقريبا، وهو ما لم يحدث حتى الآن، فموازنته لا تشمل مخصصات لتطبيقها، فيما تؤكد المعلومات الأولية أنه ليس بالوارد أن تخصص لها مبالغ مالية في العام 2015، بحيث تعتمد كل مؤسسة على مخصصاتها الاعتيادية لتحقيق غاية استثنائية، كيف؟ لا جواب مقنعا.
مضمون الاستراتيجية غير الواقعي يعيدنا إلى المربع الأول، ليؤكد لنا أن الحكومات في واد، وواقع الحال في واد آخر، إذ كيف ستقدر الحكومة؛ أية حكومة؛ على معالجة نصف مشكلة الفقر، بتخفيض معدلات الفقر بأكثر من 1 % سنويا بدءا من العام القادم وانتهاء بالعام 2020، فيما لم تقدر حكومات متعاقبة كثيرة على زحزحة خط الفقر ولو قليلا عن مستواه؟
الواقعية تفترض أن تأمل الحكومات في قمة تفاؤلها، بتثبيت نسبة الفقر وليس تخفيضها، فثمة عوامل خارجية لم تأخذها الاستراتيجية بعين الاعتبار، خصوصا قضية اللجوء السوري، التي ستؤدي بالتأكيد إلى زيادة نسب الفقر، في ظل محدودية المساعدات والموارد المحلية، إذ تشير التقديرات المتفائلة إلى أن معدلات الفقر ستقفز أو تتمسك بمستواها في أحسن الأحوال، نتيجة تزاحم السوريين ومنافستهم للأردنيين على فرص العمل والخدمات، وغيره من الموارد.
ثمة سلبية وثيقة الصلة، تتعلق بالالتزام الذي تفرضه الحكومة على نفسها أمام المؤسسات الأممية، خصوصا أن الأردن ملتزم بأهداف الألفية التي ستتجدد العام المقبل ومنها تخفيض عدد الفقراء وهو ما لن يتحقق، ما سيؤثر على سمعة البلد في الخارج.
حكومة الدكتور عبدالله النسور ورثت الاستراتيجية، لكنها أيضا لم تتعامل معها كما يجب، فوضعتها على الرف لأكثر من عام، كما لم تعمل على تطويرها، بحيث تكون قابلة للتنفيذ، ما يجعلها شريكة في القصة.
النجاح في التخطيط يرتبط بشكل وثيق بالنجاح في تحقيق الأهداف، ما يعني بالضرورة إجراء مراجعة للغايات لتجنب فشل حتمي للخطة.
على رئيس الوزراء أن يدرك أن تهمة زيادة نسبة الفقر وتدمير الطبقة الوسطى تلاحق حكومته، ما يحتاج إلى إدراك دقيق لمخاطر الإبقاء على الاستراتيجية على حالها، التي نعلم سلفا أنها قصة فشل كبيرة لكل الحكومات.
بعد ستة أعوام سنكتشف أن الفقر لم يتراجع، وستزداد وتيرة الإحباط عند شرائح من المجتمع، وتتسع فجوة الثقة بينها وبين الحكومات، كما هو الحال دائما، وستعجز الأخيرة عن تقديم تفسير للفقراء تشرح فيه لماذا أخفقت؟
(الغد)