محمد أبو خضير يختصر المشهد
د.رحيل الغرايبة
06-07-2014 04:28 AM
الشهيد «محمد ابو خضير» الذي لم يكمل الستة عشر ربيعاً من عمره في أحياء القدس، تناول سحوره على عجل ليلتحق بثلة من أبناء الحي من أجل أداء صلاة الفجر في المسجد القريب، حيث كان يقبع خمسة وحوش بشرية في زاوية معتمة من أحد الأزقة، فاختطفوا الطفل المتوضىء وفروا به هاربين نحو القدس الغربية، وهناك أقدموا على تقييد الطفل وتعذيبه وتمزيق جسده النحيل، ثم رقصوا كالشياطين على شواء لحمه في النار المشتعلة، سعياً لارواء السعار الملتهب في صدورهم المملوءة حقداً وغلاً لا تقوى على حمله الجبال، ولا تسعه كل ضواري الأرض.
الشهيد محمد ابو خضير في حادثة استشهاده يختصر المشهد كلّه؛ على الصعيد الفلسطيني وعلى الصعيد العربي والإقليمي، وعلى الصعيد العالمي أيضاً، فعلى الصعيد الفلسطيني نجد أن الحالة الشعبية متقدمة على النخبة السياسية، المختلفة على نفسها والمنقسمة والتي لم تستطع حتى هذه اللحظة الاستثمار في الحالة الشعبية، ولم تستطع قيادتها نحو مكاسب حقيقية تصب في مصلحة الشعب الفلسطيني ومستقبل أجياله، ولم تتمكن من تأطير ثورته عبر انتفاضتين سابقتين في تحصيل الاستقلال المطلوب، وتبخرت الدماء والاشلاء عبر الرضا بكيان هزيل مرتبط بالتنسيق الأمني وكبح جماح الثوار وامتصاص الغضب وتنفيس الاحتقان وإيجاد مسارب آمنة للهجرة الطوعية وتفريغ الأرض والذهاب الى المنافي والاستغراق بسفاسف الأمور والانشغال بالرمزيات والبدائل.
حادثة استشهاد (ابو خضير) تصلح أن تشكل شرارة لثورة حقيقية وانتفاضة ثالثة، فيما لو وجدت حاضنة ثورية، واستراتيجية مرسومة للتحرير ومشروعاً واضح المعالم، فقد كانت هذه الحادثة البشعة مناسبة رائعة لتوجيه ضربة للعدو، دون تباطؤ أو تردد، حيث إن هذه الفعلة الشنعاء تمثل فرصة حقيقية لاظهار حقيقة العدو وإظهار هذه الوحوش البشرية بصورتها الدموية الرهيبة، التي تقشعر منها الأبدان، واخبار العالم بخفايا هذا الكيان الهمجي، وخطورته على الحياة الانسانية من خلال رعايته لهذه الكائنات الحاقدة وتواطئه مع هذه العصابات الإجرامية والتستر على جرائمها المروّعة.
أما على الصعيد العربي، فالحال يدمي القلب ويثير مكامن الخوف والقلق، من خلال إغراق الأقطار العربية بحالة بائسة من الاقتتال الدموي، وحالة من التفرق والشرذمة تزداد وتتعمق في كل يوم، نجعلها غير قادرة على مواجهة العدو، وغير قادرة على التفكير في الثأر للشهيد المحروق محمد أبو خضير أو القدرة على مواجهة مخطط التهويد الذي يجري على قدم وساق بحق الأقصى والقدس، حيث أصبحت الجيوش العربية منشغلة في معركة داخلية وحرب أهلية تأكل الأخضر واليابس.على الصعيد العالمي نجد الصمت الرهيب إزاء إقدام عصابة ارهابية مجرمة على اختطاف طفل وتعذيبه وقتله والتمثيل بجثته وحرقه، ويتجه الاعلام العالمي نحو التركيز على الصاق التطرف وصفة الارهاب ببعض المنظمات الاسلامية، واشغال العالم بالقاعدة وداعش والمقاتلين المسلحين في افريقيا، وتغض الطرف عن جرائم المستوطنين وجرائم الكيان الصهيوني، الذي مارس كل أنواع القتل والمجازر الدموية لمدة تزيد عن نصف قرن من الزمان.
الحل يبدأ من الذات أولاً، قبل توجيه العتب للآخرين فنقطة البدء في هذا الموضوع على وجه التحديد بتمثل قوله تعالى:»إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ «، فالله لا يأذن بالتغيير حتى نشرع نحن بتغيير ما بأنفسنا بشكل جمعي، من خلال الوحدة وامتلاك الرؤية الصحيحة، وامتلاك أدوات القوة لندافع عن انفسنا بانفسنا.
نحن بحاجة الى حشد طاقات الشعب الفلسطيني عبر مشروع وطني واضح المعالم، يقوم على وحدة الشعب ووحدة الأرض، ووحدة الاطار والرؤية، يستوعب الخلاف الفكري والسياسي، ويبتعد عن كل دواعي الفرقة والتشتت، ولا يتهاون مع كل من يخترق هذه الركائز الضرورية، وعلى الأجيال الجديدة أن تنعتق من رق التقليد الأعمى، وتمتلك البصيرة والقدرة على النقد والمحاسبة الجريئة، من خلال رؤية الأمور على حقيقتها.
بلورة المشروع الوطني الفلسطيني بوضوح، سوف يحظى بالتفاف الشعوب العربية والأمة الاسلامية، لأنه يمثل رأس الحربة في عملية المواجهة الكبرى مع المشروع الصهيوني الذي يستهدف الأمة كلها فكراً وحضارة، وأرضاً وشعوباً وحاضراً ومستقبلاً.
(الدستور)